الحلقة التاسعة
طاهر المصري: مضر بدران زار بغداد سرا عشية حرب 91
الاثنين 28 نيسان / أبريل 2014. 12:05 صباحاً
- عمان- يروي رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، في حلقة اليوم من سلسلة حلقات "سياسي يتذكر" كيف صنع شخصيا قرار مشاركته في انتخابات مجلس النواب الحادي عشر العام 1989.
ويستزيد المصري في شرحه حول الطريقة التي نفذ فيها حملته الانتخابية، حاجزا لنفسه، المقعد الثالث في الدائرة الثالثة في عمان، وسط منافسة شديدة.
كما يروي المصري في ذات الحلقة كيف دخل حكومة مضر بدران في أول تعديل عليها، حيث دخل معه بموجبه ولأول مرة في تاريخ الحكومات الأردنية، 5 نواب من الإخوان المسلمين، وكيف كان وزيرا للخارجية وكيف اتخذ قرار المشاركة في الحكومة.- وكان المصري كشف في حلقة أمس موقفه الرافض لقرار "فك الارتباط"، وخروجه من حكومة زيد الرفاعي بسبب ذلك الموقف.
ويسرد أبو نشأت كيف أن خروجه من حكومة الرفاعي قبل أربعة أشهر من أزمة "هبة نيسان" وانهيار الدينار، زاد من حظوظه السياسية، خاصة بعد دخوله في حكومة زيد بن شاكر الأولى، نائبا لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية.
كما وثق المصري لحظات التحول الديمقراطي الأولى في البلاد، من خلال سياسة الانفتاح التي انتهجها الراحل الحسين، وصنع من العمل السياسي والديمقراطي مفتاحا لحل أزمة اقتصادية كانت تهدد أمن واستقرار البلاد.
ويخصص المصري اليوم جزءا من حديثه حول ذكرياته الأولى في مجلس النواب الأشهر، الحادي عشر، وكيف بدأت أزمة العراق في حينه، وبعض التفاصيل عن سياسة حكومة مضر بدران في تلك الأحداث، والزيارة السرية التي قام بها بدران حينها إلى بغداد.
كما يؤرخ المصري للحظة انقطاع الاتصالات واللقاءات الشخصية بين الزعيمين الراحلين الملك الحسين والرئيس العراقي صدام حسين.
في حلقة اليوم يستكمل المصري تاريخ مشاركته السياسية في المواقع التي أشغلها، وكيف كان له في مجلس النواب الحادي عشر محطة سياسية مهمة، نقلته لأعلى مراتب العمل السياسي في البلاد.
- وفيما يلي التفاصيل..
- ترشحت لانتخابات 1989، ونجحت في ظل منافسة شديدة، لكن كيف استقلت من الحكومة؟
- قبل أن أقول كيف استقلت، فقد مضى على عملي الحكومي تلك السنة 25 عاما، وكان عملا حكوميا متنوعا. لا أنكر أن أساس خبرتي في العمل العام اكتسبتها من العمل الحكومي، بين البنك المركزي والوزارة والسفارة، ولم أكن أتوقف عند تجربتي في النيابة الأولى العام 1973، فقد كانت انتخابات تكميلية، أجراها مجلس النواب باقتراع داخلي، كما أن فترة تعطيل مجلس النواب كانت طويلة بين عامي 1973 - 1984 الذي عاد فقط بمهمة تعديل الدستور، ليتعطل بعدها.
لقد شعرت بجدية الحسين في التغيير، ومن خلال متابعة الطريقة التي أدار فيها شؤون البلاد وإخراجها من عنق الزجاجة اقتصاديا وسياسيا بعد أن سمح للعاصفة بالعبور، وأن هناك ملامح للتغيير صارت واضحة، كما صار واضحا بالنسبة لي بأن هناك قوى شعبية ستذهب للانتخابات.
في داخلي تشكلت قناعة راسخة بأن مركز القوى الجديد الذي سينشأ في البلاد هو مجلس النواب، وبدأت أفكر بأني وبعد أن حصلت على الشرعية الحكومية من خلال تواجدي في مواقع عامة كثيرة، فقد رغبت في البحث عن شرعية شعبية من خلال ترشحي للانتخابات النيابية، وكعادتي أفكر بأموري بهدوء وبشكل موضوعي ومنصف، وأكون عادة صادقا مع نفسي حتى أصل للقرار الصحيح.
ففكرة الترشح للانتخابات كانت مشابهة لفكرة ترشحي للانتخابات التكميلية لمجلس النواب العام 1973 لكن في الأمر مجازفة أكثر، وكنت أفكر بالتوازن التالي: فهل أبقى بيروقراطيا حكوميا أم أذهب باتجاه مجازفة قد تكون كلفها باهظة وأدخل إلى نشاط سياسي جديد لأحظى بثقل أكثر؟؟
وبعد أن أصبح لدي شبه وضوح برغبة الترشح؛ ذهبت لأبي شاكر، حيث كنت على علاقة قوية به، وسألته عن رأيه بخطوة ترشحي، فأجابني فورا بأنه يهمه أن يكون في مجلس النواب أعضاء مثلي. ثم ذهبت لمضر بدران وكان رئيسا للديوان، وسألته عن رأيه وهل لي حظوظ بالفوز، وقال لي بأنه سيجيبني خلال 48 ساعة، وبعد انقضاء الموعد رجعت إليه وبارك الخطوة، وقال إن لي فرصة في المنافسة والفوز.
استقلت من الحكومة بأيلول (سبتمبر) 1989 أنا وعبدالله النسور، وكان موعد إجراء الانتخابات في تشرين الثاني (نوفمبر)
وهل فعلا جرت الانتخابات بدون أي تدخل من مؤسسات أمنية أو رسمية؟
- أنت تغمز من قناة جهاز المخابرات العامة، وإن كان تدخل فعلا في تلك الانتخابات، وأقول هنا بكل ضمير مرتاح، كل أجهزة الدولة نفذت توجيهات الراحل الحسين، بدون أي خطأ أو تقصير، وقد كانت إرادة الملك حاسمة في إجراء انتخابات نزيهة وصادقة، وهذا ما حدث فعلا.
وهنا أورد موقفا بسيطا عن جهاز المخابرات، ومديره طارق علاء الدين تلك الفترة، فقد كان أبو عمار في زيارة لنا في العام 87 أو 88 وكان يأتي معه فريق من منظمة التحرير الفلسطينية، وكان عادة ما ينزل في قصر الضيافة، الذي كان في موقع المركز الوطني لحقوق الإنسان اليوم.
ذهب أبو عمار وفريقه لتناول طعام الغداء في قصر الندوة بدعوة من الراحل الحسين، وكنت أنا أذهب بصفتي وزيرا للخارجية، وذهب معي وزير الداخلية في حكومة الرفاعي حسن الكايد، وجلسنا لجوار بعضنا، فسألني عن أحد الأشخاص الجالسين من الناحية المقابلة في الزاوية، وعن موقعه في منظمة التحرير الفلسطينية، فقلت له هذا مدير مخابراتنا، وكان وزير الداخلية فعلا لا يعرف شكل المدير، فمدير المخابرات لم يكن كثيرون يعرفونه إلا بالاسم، ولم يكن يعرفون رسمه، إلا القليل حتى من رجال الدولة.
وعندما أبلغت طارق علاء الدين بعدم معرفة الكايد له، ضحك وقال: استغربت منه عندما صافحني وهنأني بالسلامة، وسألني عن أوضاع الأهل في فلسطين.
بالعودة إلى ترشحك للانتخابات، على ماذا اعتمدت، خصوصا وأنك رجل شغل مواقع رسمية، في حين كان هناك ازدحام في ترشح المعارضة التي تمتلك أسلحة الخطابات الرنانة؟
- بدأت حملتي الانتخابية فعلا، وكل ما اعتمدت عليه هو مواقفي، التي اتخذتها داخل الحكومات، التي شاركت بها. صحيح أن مواقفي لم تكن معروفة على نطاق واسع نتيجة تقييد الإعلام، وعدم تعدد وسائله كما اليوم، لكن الناس يعرفون ويتناقلون المواقف في جلساتهم العامة، وعلى الأقل ما يزال البعض يتذكر موقفي في الاستقالة من حكومة الرفاعي، رفضا لتداعيات قرار فك الارتباط، فقد كان النبأ يتم تداوله بشكل محدود، وهو ما عزز موقفي ضمن المعادلة الجغرافية التي لا نستطيع إنكار تداعياتها على أي انتخابات تجري.
لكن المشكلة التي واجهتها كانت بعدم وجود ماكينة انتخابية، وعدم وجود تجربة حقيقية سابقة لي في الانتخابات. فكما قلت لك فإن الانتخابات التكميلية لمجلس العام 1973 لم تتطلب جهدا في البحث عن الأصوات وتنفيذ زيارات للناس في تجمعاتهم.
وقد كان الإنفاق على حملتي الانتخابية محدودا جدا، صحيح بأن الحملات الانتخابية لم تكن تتطلب أموالا طائلة كما اليوم، لكن حتى حملتي لم تتجاوز حدود المنطق والمعقول، لأن إمكانياتي أصلا لم تكن تسمح بأكثر من ذلك.
والمال السياسي لم يكن موجودا، وذلك لأسباب تتعلق بأن قانون الانتخاب أصلا لا يسمح بذلك، لأن أصوات الناخب كانت بعدد مقاعد دائرته الانتخابية، كما أن الناس أنفسهم لم يتعاطوا مع ابتزاز المال السياسي، ولم يستسلموا له في ذلك الوقت.
في حملتي الانتخابية قد أكون أول من ابتكر فكرة المقر الانتخابي على شكل خيمة، وقد استعرتها من سمير قعوار، فقد كان لديه خيمة عسكرية جاء بها من باكستان خلال إحدى سفراته. وأعتقد أنه وبعد ذلك أخذت المقرات الانتخابية شكل الصواوين التي صرنا نألفها في الانتخابات.
ومن هناك بدأت بتنفيذ زيارات إلى العائلات والأصدقاء والأقارب، وقد كانت معظم الحملات الانتخابية تدار من خلال الزيارات إلى المنازل والتجمعات.
صحيح أن العملية الانتخابية كانت أبسط منها هذه الأيام، لكنها كانت مضنية جدا.
فقد كانت المنافسة في الدائرة الثالثة صعبة، وقد ترشح فيها كل من ليث شبيلات وفارس النابلسي وعلي أبو الراغب وممدوح أبو حسان وفخري البلبيسي ومحمود الكايد؛ وغيرهم.
كانت الحملة قاسية جدا، وكل ما اعتمدت عليه فقط اللقاءات الضيقة التي كان يرتبها لي بعض الأصدقاء والأقارب، وكان من المهم زيارة أكبر عدد ممكن من الناخبين، لأن قانون الانتخاب للعام 1989 كان يسمح للناخب بالتصويت بحسب عدد مقاعد دائرته الانتخابية.
نجحت فعلا في الانتخابات وحصدت المقعد الثالث في الدائرة، بعدد أصوات 6800 صوت، بعد ليث شبيلات ومحمد فارس النابلسي، كما نجح في المقعد الرابع عن المقعد الشركسي منصور مراد، وعن المقعد المسيحي فخري قعوار.
شهدت الانتخابات تنوعا سياسيا مهما، ونجح في الانتخابات تلك 23 نائبا يمثلون الإخوان المسلمين، ونحو 12 نائبا يمثلون التيار اليساري والقومي، وكان باقي الناجحين لهم اهتمامات سياسية أيضا.
لم ينعقد المجلس بعد الانتخابات مباشرة، بل تم إعلان افتتاح الدورة العادية الأولى بعد نحو أسبوعين أو ثلاثة، وكانت هذه المهلة مهمة حتى يتسنى للنواب الفائزين أن يتعرفوا على بعضهم وإنشاء كتل نيابية.
طبعا كتلة الإسلاميين كانت جاهزة، وقابلتها كتلة اليساريين والقوميين، وكنا كبقية بصدد تشكيل الكتلة الأكبر، بعدد 28 نائبا، وأسميناها الكتلة الوطنية. هذه هي التوجهات السياسية الرئيسية الثلاثة داخل مجلس النواب، وكنا كاتجاه وسطي الأكثرية، لكن الإسلاميين يتفوقون علينا بوحدة الموقف، فكتلتهم كانت تصوت بموقف واحد على أي تشريع أو قرار.
برأيك ما سبب هذا التنوع في أعضاء مجلس النواب الحادي عشر؟
- أعتقد أن الناخب في تلك الانتخابات صوت بغضب، نتيجة الأوضاع التي سبقت مرحلة الانتخابات، لذلك تنوعت اختيارات الناخب من بين المرشحين، وظهر هذا التنوع السياسي المهم في أعضاء المجلس.
ولماذا اخترت الكتلة الوطنية؟
- لقربها من لوني السياسي، فأنا وسطي وقد كانت داخل الكتلة شخصيات عامة، عرفتها من خلال دخولي في الحكومات، كما كان هناك تجانس فيما بين بعض أعضاء تلك الكتلة.
رشحتني الكتلة لرئاسة لجنة الشؤون الخارجية، وألقيت خطابا في الرد على بيان حكومة مضر بدران، وعلى الرغم من وجود عوني المصري وزيرا للتخطيط، إلا أنني أعلنت موقفي من سحب الثقة بالحكومة، إذا لم تنفذ مطالب الكتلة الوطنية، والتي كانت تتعلق بإلغاء الأحكام العرفية.
وبدأت الأجواء داخل المجلس تأخذ جرأة أكثر، وتأثيرا في الدورة الأولى من عمر المجلس، والذي كان رئيسها المرحوم سليمان عرار، فطرحت بجرأة مواضيع وقصص الفساد.
وشرعنا في محاكمات الفساد، وكان التصويت على إحالة المتهمين من قبل اللجنة النيابية المختصة كالتالي: قرار تحويل الرفاعي لم ينجح، وقرار حنا عودة لم ينجح، في حين نجح قرار إحالة محمود الحوامدة إلى القضاء، لكن بعد صدور العفو العام من الراحل الحسين، توقفت معالجة المجلس لهذا الملف.
بعدها أصدر زيد الرفاعي بيانه الشهير، ردا على قرار المجلس، بوجود أدلة كافية في قضيته، وقد كان بيانا قويا بلغته وهاجم المجلس فيه، في تلك الفترة كان رئيس مجلس النواب الدكتور عبداللطيف عربيات، وقد أحال برقية الرفاعي إلى النائب العام، بتهمة التشهير والإساءة إلى مجلس النواب، ومثل الرفاعي أمامه في أكثر من جلسة.
لم تبق نائبا فترة طويلة، فقد دخلت وزيرا للخارجية في حكومة مضر بدران بعد التعديل؟
- صحيح؛ فبعد احتلال العراق للكويت وتفاعلات هذا الأمر، على وضع المنطقة بشكل عام، وعلى وضع الأردن بشكل خاص، خصوصا وأن سوء فهم وتقدير موقفنا السياسي مع العراق انعكس على علاقاتنا مع الدول العربية الشقيقة والدول الأوروبية الصديقة، والولايات المتحدة بشكل سلبي، حتى أصبحنا شبه معزولين عن محيطنا وحلفائنا.
رغم كل هذه التأثيرات السلبية مع محيطنا وفي الإقليم، إلا أن الحكومة والراحل الحسين شعرا بأن الجبهة الداخلية كانت متماسكة بشكل لا مثيل له، وكانت القيادة والشعب في صف واحد، في وجه كل تلك التحديات بتلك المرحلة.
أراد الراحل الحسين أن تنعكس هذه الأجواء على حكومة تشارك فيها جماعة الإخوان المسلمين على وجه التحديد، وهذا ما جرى.
ففي التعديل الوزاري على حكومة بدران الذي دخلت فيه وزيرا للخارجية، دخل معي خمسة وزراء من نواب جماعة الإخوان المسلمين.
هل قبلت بعرض مضر بدخول الحكومة مباشرة؟
- لا؛ فقد طلب مني أبو عماد أن أدخل في حكومته في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 1990، وكان هذا في مكتبه في مجلس الأمة، فاعتذرت له، لقناعتي بأن بدران لم يكن يخطط لإدخال القوى الديمقراطية في حكومته، كما كنت مقتنعا بأن وجود الإخوان المسلمين وحدهم في حكومة بدران سوف يجعل الحكومة رهينة لقراراتهم.
قلت لمضر عندما طلب مني المشاركة في حكومته، ولتجاوز العقدة التي ذكرتها قبل قليل، أن يُدخِل في الحكومة ممثلين عن التيار الديمقراطي، لكنه قال لي: بأن التيار لا يرغب في الدخول.
بعد ثلاثة أيام من ذلك الاجتماع، وفي 1-1-1991 طلبني بدران لبيته، وأبلغني بأن دخولي في حكومته هي رغبة الملك الحسين؛ وطبعا امتثلت لرغبة الحسين.
بعد لقائي مع مضر في مكتبه أبلغني أن أداء اليمين الدستورية ظهر نفس اليوم، وخرجت من عنده، وإذ بعبدالله النسور يدخل بعدي، وقد عرفت بعدها بأن مضر أراد أن يُدخل النسور في الحكومة، لكن أبو زهير طلب من مضر أن يكون نائبا لرئيس الوزراء، ورفض مضر أن يوزر النسور، لكن بقيت علاقتهما مميزة. طبعا قبل أن يبلغني بدران برغبة الحسين دخولي الحكومة وزيرا للخارجية، التقيت الوزير إبراهيم عزالدين، وسألني ماذا قررت، وقبل أن أجيب، قال لي: شارك فالحكومة بعد التعديل لن تطول لأكثر من 6 أشهر.
أديت اليمين الدستورية وزيرا للخارجية في حكومة بدران الثالثة وبعد إجراء التعديل، وكانت علاقاتنا الخارجية شبه مقطوعة، هل كانت المهمة سهلة؟
- لقد كانت المهمة غاية في الصعوبة، خصوصا في تلك الأجواء، وقد كانت أول مهمة لي في الوزارة زيارة طهران، وكان ذلك بعد 10 أيام من تسلمي حقيبة الخارجية.
وقد كانت الزيارة تلك أول زيارة لمسؤول أردني منذ خلع الشاه، وقد أجريت هناك محادثات، وبدأنا فعلا بأول اتصال مع إيران، وقد كان ذلك قبل أن تقوم قوات الولايات المتحدة وجيوش التحالف الدولي بضرب بغداد في 15 كانون الثاني (يناير)، وهناك قابلت رفسنجاني وقد كان يرافقني في الزيارة موسى بريزات.
بعد ضرب العراق، وتحدد انسحاب العراق من الكويت، وتوقيع اتفاقيات صفوان، ألقى رئيس الولايات المتحدة وقتها جورج بوش الأب خطابا أعلن فيه أن حل القضية الفلسطينية آن أوانه، كما أعلن مبادرته لعقد مؤتمر سلام دولي.
بعدها مباشرة بدأ وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر زيارته للمنطقة، وفي وقت زار فيه دول المنطقة مرتين؛ فإنه لم يزر الأردن ولا مرة، وكان واضحا بالنسبة لنا بأن ذلك كان تعبيرا عن غضب الولايات المتحدة علينا. كانت تلك الفترة شديدة الوطء على الوضع الأردني، وعلى الحسين، ولولا أن الملك والنظام كانا مدعومين بشكل لا مثيل له شعبيا، لكن الشعور بالحصار وتضييق الخناق على الأردن صعبا.
لكن موقف حكومة بدران كان داعما للعراق، وقيل إن بدران زار بغداد سرا حتى وهي تتعرض للقصف؟
- كانت جرعات بدران التفاؤلية بقدرة العراق على الصمود في وجه التحالف الدولي الذي نشأ على خلفية احتلال العراق للكويت، غير واقعية.
وفعلا فقد زار أبو عماد بغداد سرا، وتعرضت حياته للخطر، كما تعرض لمصاعب كثيرة، ولم يكن يريد أن يلفت النظر بالحراسة فذهب إلى بغداد بسيارتين وسائقيهما، وأجرى هناك لقاءات سرية رسمية مع قيادات سياسية عراقية.
وعاد إلى عمان وطمأن الجميع بأن العراق سيستطيع الصمود في وجه الحرب، التي قادها التحالف الدولي ضده، وكان خطابه أمام مجلس النواب مشبعا بالعواطف وعبأ الناس بمعنويات عالية، حتى انتكسنا جميعا بما آلت إليه أوضاع العراق، وقد كنا نجلس أنا وسالم مساعدة إلى جانب مضر وهو يلقي خطابه.
وفي علمي أيضا بأنه كان هناك خلاف قائم بين بدران كرئيس للحكومة مع مستشار جلالة الملك السياسي وقتها عدنان أبو عودة على مضمون رسالة اقترح أبو عودة توجيهها إلى صدام حسين، وكان هذا الخلاف وقع في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1990، وكان فحوى الرسالة يذهب باتجاه تحذير صدام من مغبة استعدائه لدول الخليج، وكان لأبي عودة هدف في أن تكون هذه الرسالة هي سبب في عودة العلاقات الأردنية الخليجية، بعد أن ترفع الحرب أوزارها، فيما كان بدران ضدها، وضد توقيتها، وحسبما علمت أن من حمل الرسالة للسفير العراقي في عمان كان زيد بن شاكر، وكانت الرسالة أقرب لما أراده أبو عودة.
لكن الأهم من هذه الرسالة هو ما آلت إليه العلاقة الشخصية القوية بين الراحل الحسين وصدام حسين، حيث لم يجر بعدها أي لقاء بينهما، ولا حتى اتصال هاتفي على مدى سنوات حصار بغداد، حتى وفاة الحسين رحمه الله.
وتأكيدا لذلك، فقد انشغلنا في عمان على مدار 48 ساعة في استقبال وفود عربية وأوروبية عبر مطار ماركا، كانت تحمل هذه الوفود رسائل وطلبات لصدام حسين يحاولون إقناعه بإنهاء الحرب، وعودة السلام لمنطقة الخليج، وكانت هذه الوفود تريد وساطة الملك الحسين عند صدام، لكن الحسين كان يبعث إلى صدام عبر القنوات الدبلوماسية وخصوصا عبر السفارة العراقية، وكان ذلك بسبب انقطاع الاتصال بين الزعيمين.
وحتى إن أبو عمار (ياسر عرفات) في الساعات الأخيرة من بدء ضرب الطيران الأميركي لمواقع عراقية محددة، طلب أن يلتقي الملك الحسين وهو قادم من بغداد بشكل مستعجل وضروري، ووصل عمان قبل منتصف الليل بقليل، واستأذن عرفات من الحسين في أن يقدم نداء مشتركا من الزعيمين إلى صدام يحثانه فيه على استقبال مبعوث الرئيس الفرنسي وقتها فرنسوا ميتران، لأن في اللقاء ما قد يسمح لميتران بإيقاف أو تجنب الضربة العسكرية ضد العراق، حيث كان من الممكن التوصل لحلول وسط.
ولما جاء عرفات للراحل الحسين اشتكى له بأن صدام مختف منذ أيام، ولم يعد الاتصال به ممكنا، ولهذا فقد جاء لعمان بسرعة للقاء الحسين وطلب دعمه من أجل الاتصال بصدام وإقناعه.
لم يتأخر أبو عمار فبعد ساعتين من وصوله لعمان عاد إلى بغداد للقيام بتلك المهمة، وفي نفس الليلة اغتيل صلاح خلف (أبو إياد)، واختفى أبو عمار، من وقتها ولم نعد نسمع شيئا بعد ذلك، حيث اضطر للذهاب إلى تونس وبقي فيها.