سياسي يتذكر الحلقة العشرون
10 ايار
المصري: موقفنا من حرب العراق شبيه بما نحن عليه اليوم من أزمة سورية
محمد خير الرواشدة
عمان - يُخصص رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري حلقة اليوم لبيان الموقف الأردني من احتلال الولايات المتحدة الأميركية للعراق والحرب في نيسان (ابريل) 2003، وينتقل بين تحليله للمشهد السياسي في حينه، وتفاصيل اجتماع رؤساء حكومات سابقين مع جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين.
ويؤكد المصري في روايته للموقف الأردني من الحرب على العراق ضمن سلسلة حلقات "سياسي يتذكر" التي تنشرها "الغد"، حجم الضغوط الأميركية والغربية التي مورست على المملكة، ومحاولات إقحام الأردن في الدخول إلى دائرة النار.
ويكشف عن تفاصيل الرسالة التي وقعتها 100 شخصية سياسية، وتصدر تلك التوقيعات، أسماء رؤساء وزراء سابقين وهم: مضر بدران وأحمد عبيدات وعبدالرؤوف الروابدة ومحدثنا طاهر المصري، على اثر الرسالة عقد جلالة الملك اجتماعا لرؤساء الحكومات السابقين، كان ساخنا لتباين مواقف الرؤساء فيه.
كما كشف المصري عن جانب من تداعيات حملة إعلامية شنتها وسائل إعلام رسمية وشبه رسمية، تفجرت في وجه الموقعين على الرسالة.
ويشير إلى ما جاء في بعض تلك الحملة من توصيفات، وكيف أن كتاب أعمدة هاجموا الرسالة واعتبروها موقفا ضد النظام، بعد أن تم تحشيد حملات تأييد قادها رؤساء بلديات وجمعيات في الصحف، بهدف شتم الموقعين.
ويؤكد المصري موقفه في الرسالة بالقول "قد أسيء فهم الرسالة بطريقة تركت هؤلاء يهاجمون أمرا لم يقرؤوه، لكنهم عُبئوا ضده، فنحن لم نقف ضد النظام بالرسالة، لكنا كنا معه وله، عبر النصيحة التي وجهناها، وعبر الهدف الذي حركنا جميعا، وهو تهدئة الشارع والتقليل من تخوفاته تجاه تدخلنا في الحرب على العراق لصالح الولايات المتحدة".
وفي التفاصيل، يكشف المصري كيف أن الحملة الإعلامية تلك جاءت بنتائج عكسية وردود فعل سلبية على مُطلقيها، بعد أن استشعرت الأجهزة الرسمية، أن احتقان الشارع الأردني، الذي سببته الحملة الأميركية على العراق، لا بد من تخفيفه، عبر اتخاذ إجراءات مناسبة.
وكان المصري قد تحدث في حلقة أمس من "سياسي يتذكر" حول ما مثلته الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، والتي سبقها اندلاع الانتفاضة الثانية في الضفة الغربية، واحتلال الولايات المتحدة للعراق، وكيف مثلت تلك التحديات "سورا كبيرا" أمام عهد الملك الجديد.
وأشار إلى أن عهد الملك الشاب جاء في نهاية قرن وبداية قرن جديد، وهناك تعرفنا على نوايا ومواقف الملك السياسية، ومدى انفتاحه على قضايا وأمور داخلية وخارجية.
وكما شرح المصري باقتضاب أسباب تراجع مساحة القرار السياسي أمام النفوذ الأمني، وهو ما جاء في سياق السعي لتقليص هوامش الخطأ، في أي قرار سياسي، أو اجتهاد في غير مكانه، قد يؤثر على ضعف الجبهة الأمنية واستقرارنا الداخلي الذي تميزنا به.
كما تحدث المصري حول انشغال مستويات القرار الرسمي في مطلع القرن والعهد الجديدين، بمحاولات تحييد المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي، والتي عادت تنشط من جديد بعد اندلاع مواجهات الانتفاضة الثانية في نهايات العام 2000 من تهمة الإرهاب.
ويقول المصري "أصبح هناك تداخل في المفاهيم حول مقاومة الاحتلال عند الشعب الفلسطيني، والإرهاب الذي مارسه متشددون ضد مدنيين عُزل في مناطق مختلفة من العالم، وهذا أمر أشغل مستويات القرار الأردني، وكان هاجسا مهما لدينا بألا تدخل المقاومة الفلسطينية من جديد على قائمة الإرهاب الدولي.
وانتقد المصري الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في دعمه للانتفاضة بالسلاح، وقال "أبوعمار أرادها أن لا تكون سلمية، وهذا خطأ ارتكبه عرفات؛ وهو عسكرة الانتفاضة إذا جاز لنا التعبير".
وعن المبادرة العربية للسلام التي أقرت في القمة العربية في بيروت، أشار المصري إلى أنها "صياغة أردنية"، مؤكدا أنه قرأ صيغتها قبل أن تُقدم، عندما كانت بحوزة وزير الخارجية مروان المعشر، حيث أعطيت للمملكة العربية السعودية، التي قدمتها في القمة العربية في آذار (مارس) 2002.
واعتبر أن مضامين المبادرة العربية للسلام وثيقة عربية أحرجت الإسرائيليين، وعرّت موقفهم أمام العالم، بعد أن كسر العرب حاجز الصراع والنزاع العربي الإسرائيلي، وتقدموا بخطوة كبيرة نحو السلام.
واليوم يروي المصري تفاصيل انعكاسات الأزمة العراقية، وحرب الولايات المتحدة على نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وحجم تأثرنا داخليا بتلك الحرب.
ويعود ليشرح موقف الموقعين على الرسالة التي وجهت لجلالة الملك عبدالله الثاني، ودعت لتجنب المشاركة بأي عمل عسكري ضد العراق، وتحمل الضغوط الدولية، والانتصار بتماسك الجبهة الداخلية، وعدم شحن الأجواء بمزيد من الاحتقانات والانقسامات.
ويضيف "كان هناك هدف واحد للموقعين على الرسالة، وهو توضيح فكرة أساسية، تُفيد بأن: الرأي العام غاضب جدا من الولايات المتحدة، خصوصا بعد إدارة ظهرها لكل التزاماتها تجاه الفلسطينيين، وها هي تنتهك حرمة العراقيين وأمنهم واستقرارهم؛ بغطاء وذريعة الحرب على الإرهاب.
وفيما يلي التفاصيل
- ..ونحن نُفصل في التحديات التي واجهت الملك عبد الله الثاني في بداية عهده، وقبل أن نبتعد كثيرا؛ كانت الحرب على العراق، وما تبعها من احتلال الولايات المتحدة لدولة عربية، وسقوط نظام صدام حسين، واستبدال الأمن النسبي هناك بالفوضى العارمة والإرهاب، كل ذلك كان يجري على أبواب حدودنا، ودخلنا في الأردن بأزمة جديدة، وكان فيها همس بالتدخل الأردني في تلك الحرب، لكن لصالح أميركا هذه المرة، وليس كموقفنا في الأزمة العراقية العام 1991؟
- تلك قصة شائكة ومعقدة. لكن يجب أن نتحدث هنا بمنتهى الصراحة والوضوح، ونعرف كيف أن السياسي يجب أن يكون في خدمة مصالح وطنه أولا؛ مهما كان موقعه أكان في المسؤولية أم في خارجها.
فعلا، كانت طبول الحرب تُقرع، ومخطئ من كان يعتقد أن الولايات المتحدة لا تريد اللعب بورقة العراق، واستخدام الحرب عليها لاعتبارات كثيرة. فإن كان الاعتبار الأميركي الأشهر هو الحرب على الإرهاب، ومصادرة الترسانة الكيماوية التي زعموا بأن نظام صدام حسين كان يمتلكها، ويهدد بها أمن المنطقة، فإن في الأمر ما هو أبعد؛ وهو تأمين سلامة إسرائيل بعد فكفكة العراق، كظهير عربي وسند يرفض فكرة وجود إسرائيل أصلا.
على أي حال، كانت الحرب، وبدأت الولايات المتحدة تتحضر، وكنا ننام ونستيقظ أمام شاشات التلفاز، حتى نعرف متى ستكون الضربة الأولى من أميركا للعراق، في تلك الفترة كان الشارع مُلتهبا، فهناك من كان يدعم النظام العراقي السابق، ومن يقف على الحياد من النظام العراقي؛ لكن ليس مقبولا بالنسبة لهم، سقوط نظام صدام حسين وتفكيك العراق على يد الولايات المتحدة. كان ممكنا أن يتقبلوا مثلا فكرة الانقلاب العسكري من الداخل، أو تنازل صدام عن السلطة، أو غير ذلك من البدائل العراقية وليس الأميركية، كما كان هناك أيضا من هم مع الأميركيين في حربهم على نظام صدام.
في تلك المرحلة تعرضنا في الأردن لضغط أميركي كبير، وأرادوا منا أن نتدخل بتضييق الخناق على العراق، بل طلبوا بصراحة أن يكون لنا دور عسكري، وكنا نتابع كيف أن الولايات المتحدة وحلفاءها في الحرب، أرادوا لنا أن نكون واجهة لمدافع معركة سقوط بغداد ونظام صدام حسين.
الموقف الرسمي من الحرب على العراق يشبه الموقف الرسمي اليوم من الأزمة السورية، فنحن نقاوم كل الضغوط التي تحاول إقحامنا في حرب ليست حربنا، وكما نحن نرفض التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية اليوم، فعلنا في السابق. وصحيح أن لنا حلفاء وأصدقاء، لكن الصحيح أيضا أن لنا شعبا لا بد وأن نحترم رغباته، وأن نقدر له التزامه بهويته القومية، وعدم قبوله بأن نكون سببا في التأثير السلبي على أي من دول الجوار.
وفعلا أدرنا الأزمة تلك، وخرجنا منها بأقل الأضرار، وقد آثرنا بالفعل بألا ندخل كطرف في تلك الحرب، حتى ونحن نعلم بتداعيات ذلك علينا، والتزمنا بألا نكون سببا مباشرا في الحرب على العراق والدمار الذي لحق به.
ولا بد من التنويه هنا إلى أن كلامي هذا، لا يندرج في خانة تثبيت المعلومات، بل من باب تحليل موقف الأردن في الأزمة تلك، فأنا كنت خارج السلطة، ولا أمتلك أي معلومات دقيقة يمكنني أن أسجلها للتاريخ.
- لكنك وثلاثة رؤساء حكومات تصدرت توقيعاتكم رسالة وجهتموها للملك عبدالله الثاني، وطالبتم فيها بألا نتدخل في ضرب العراق، وحذرتم من مغبة ذلك التدخل، وأثره على تماسك الجبهة الداخلية؟
- صحيح؛ حدث ذلك، وكتبنا رسالة لجلالة الملك، ووقعها مضر بدران وأحمد عبيدات وعبدالرؤوف الروابدة وأنا، وكان هدفها واضحا، بأننا نريد أن نكون ناصحين للملك، وليس مُحذرين كما قُلت في سؤالك.
كما أن مثل هذه الرسائل وبحجم الرجالات الذين وقعوا عليها، سواء من حيث الأسماء التي ذكرتها، أو أسماء أخرى لم تذكرها ولها احترامها وتقديرها وامتدادها في الأوساط الشعبية والسياسية، فإن من شأنها تهدئة الشارع وتنظيمه، وترشيد خطابه تجاه النظام والحكومة، حتى لا يتعدى أحد على حدود التزامات الوحدة الوطنية، وأولوية تماسك الجبهة الداخلية في الخطاب أو الكلام أو الموقف السياسي، وألا يكون كل هذا الجدل والانقسام في الرأي على حساب الأمن والاستقرار الداخلي والحفاظ على السلم الأهلي الوطني.
كما أنه في تلك الأيام بالتحديد، كانت لقاءاتنا الدورية مع جلالة الملك قد انقطعت بفعل الظروف، ولم نعد نلتقيه بشكل شبه دوري، فلجأت بعض الشخصيات لفكرة الرسالة التي قد توصل الفكرة لجلالته من دون أن نشكل كموقعين، أي ضغط على برنامج أعماله الذي كان مزدحما في تلك الفترة بفعل الأحداث المتلاحقة.
- لكن الملك اجتمع برؤساء الوزراء السابقين جميعا في الديوان الملكي بعد تلك الرسالة، وقد كان لك ولعبيدات وبدران أيضا مداخلات في الاجتماع ذاته، كما كان للروابدة رأي في الرسالة قاله أمام الملك، وهو الذي كان في آخر اجتماع له بكم في منزل بدران على الغداء، صامتا ولم يتحدث عندما عارضتم قراره بإغلاق مكاتب حماس في عمان وإبعاد قادتها، وكان رئيسا للوزراء في ذلك الحين؟
-نعم؛ التقينا في نيسان (ابريل) 2003 مع الملك عبدالله الثاني، وقد انعقد اللقاء في بيت البركة في تمام الساعة الواحدة، وحضره رؤساء الوزراء السابقين على الترتيب: أحمد اللوزي وزيد الرفاعي ومضر بدران وأحمد عبيدات وأنا وعبد السلام المجالي وعبدالكريم الكباريتي وفايز الطراونة وعبدالرؤوف الروابدة، وكان رئيس الوزراء علي أبو الراغب حاضرا، بالإضافة لمدير المخابرات في وقتها سعد خير، ووزير البلاط فيصل الفايز، وكان يجلس مدير الإعلام أمجد العضايلة، وهو سفيرنا اليوم في تركيا، وسيما بحوث لتسجيل محضر الاجتماع.
وقد كان اجتماعا ساخنا، فنحن وبعد أن وقعنا على الرسالة، تفجرت في وجهنا حملة إعلامية في وسائل الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، وقد وُصفنا فيها بأقذع التوصيفات، وقد تفلت علينا كتاب التدخل السريع، مهاجمين موقفنا من الرسالة واعتبروه موقفا ضد النظام، وتم تحشيد حملات تأييد قادها رؤساء بلديات وجمعيات في الصحف، تشتمنا وتهتف للنظام، وقد أسيء فهم الرسالة بطريقة تركت هؤلاء يهاجمون أمرا لم يقرؤوه، لكنهم عُبئوا ضده، فنحن لم نقف ضد النظام بالرسالة، لكنا كنا معه وله، عبر النصيحة التي وجهناها، وعبر الهدف الذي حركنا جميعا وهو تهدئة الشارع والتقليل من تخوفاته تجاه تدخلنا في الحرب على العراق لصالح الولايات المتحدة.
- وهل شرحتم موقفكم هذا للملك، وقد تم تسريب مواقف تحدثتم بها أمام جلالته في ذلك الاجتماع، لكن لم يأتِ الإعلام على ذكرها أو توثيقها، لا بشكل رسمي عبر الخبر الرسمي الذي تبثه وكالة الأنباء الأردنية (بترا) عادة، ولا من خلال التسريبات الإعلامية المقصودة بنقل بعض ما دار في اللقاء الساخن؟
-لا أذكر تماما ماذا كُتب عن اللقاء في وسائل الإعلام المحلية أو الأجنبية، لكن ما أذكره فعلا أن جلالة الملك، قد تحدث في البداية بشكل عام عن الأوضاع المحلية والإقليمية، وبين للحاضرين حجم الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على الأردن، ومطالبها التي لا تنتهي بضرورة تقديم تسهيلات لهم في حربهم على العراق، وهو أمر رفضه جلالته، واعتبر أن لا طاقة لنا بذلك، وقال إنه نجح في تخفيف حجم تلك المطالب الأميركية من الأردن، وبحدود أن لا يكون لنا أكثر من دور في تقديم التسهيلات للجيش الأميركي، لكن من دون أن تنطلق العمليات العسكرية ضد العراق من الأرض الأردنية.
بعد أن أوضح الملك حقيقة الموقف الأردني، من كل هذه الأحداث في المنطقة والحرب الأميركية وحلفائها على العراق، ومقدار تحملنا للضغوط الدولية علينا، تحدث الروابدة، وكنت أنا سادس المتحدثين، وعبيدات السابع، وبدران الأخير، وكنا نحن الموقعين طبعا على الرسالة.
أما البقية فقد كان واضحا تأييدهم وتفهمهم للسياسات الحكومية ضد العراق، لكن اللوزي كان أكثرهم حيادية، أما الكباريتي فقد قدم رأيا متصلا برأيه من العراق، منذ أن كان وزيرا للخارجية في حكومة زيد بن شاكر الأخيرة، ورئيسا للوزراء بعدها مباشرة، وهاجم النظام العراقي وتاريخه القمعي، كما قدم الرفاعي دعمه للموقف الرسمي في مداخلته، أما الروابدة والطراونة والمجالي فقد كانوا الأكثر توازنا بينهم.
كان واضحا أن سبب اللقاء هو الرسالة المرفوعة لجلالة الملك، لكن الملك استوعب كل الحملات الإعلامية ضدنا قبل أن يلتقينا، وذلك من خلال حوار صحفي كان قد أجراه مع وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، وتحدث فيه عن قيم تعددية الآراء، وضرورة الخروج بالنتائج عبر حوار ديمقراطي، يتفهم فيه الجميع آراء بعضهم، وقد كان واضحا بأن جلالته يريد أن يخفف من حدة الانقسامات في المواقف السياسية، وتخفيف أجواء الاحتقان التي تسببت به الحملات الإعلامية التي أساءت لثوابت أردنية، وتقاليد احترام خطاب الآخر ونصيحته.
المهم أن الحملة الإعلامية ضدنا جاءت بردود فعل سلبية على مُطلقيها، وفعلا استشعرت الأجهزة الرسمية بان احتقان الشارع الأردني الذي سببته الحملة الأميركية على العراق، لا بد من تخفيفه، عبر اتخاذ بعض الإجراءات المناسبة.
فبعد حوار الملك مع "بترا"، جاء في أخبار الثامنة مساء أن رئيس الوزراء علي أبو الراغب استدعى السفير الأميركي إدوارد غنيم، واحتج على وقوع قتلى وجرحى مدنيين نتيجة القصف الأميركي على بغداد.
وهو أمر قد يكون بفعل تداعيات الرسالة، وفشل الحملة الإعلامية ضد موقعي الرسالة، والأهم من ذلك أن هذه السياسات الرسمية انسجمت مع رغبات الشارع وأثرت في الرأي العام، واستطعنا من خلالها تخفيف حدة الاحتقان والتناقض بين موقفي الحكومة والمؤسسات الحزبية والنقابية وحتى الشعبية، خلال الحرب على العراق والتي أدت إلى سقوط نظام صدام حسين.
- قد نحتاج إلى تفصيل أكثر عن الاجتماع وماذا قلتم للملك، وهل أوضحتم مواقفكم في الرسالة في جزئية الحرب الأميركية على العراق، خصوصا وأنك في إجابتك السابقة عرجت بعمومية واختصار عندما وصفت مواقف الرؤساء السابقين باستثنائك وبدران وعبيدات؟
- كان هناك هدف واحد للموقعين على الرسالة، وهو توضيح فكرة أساسية، تُفيد: بأن الرأي العام غاضب جدا من الولايات المتحدة، خصوصا بعد إدارة ظهرها لكل التزاماتها تجاه الفلسطينيين، وها هي تنتهك حرمة العراقيين وأمنهم واستقرارهم بغطاء وذريعة الحرب على الإرهاب.
وقلنا إنه لا بد من مراعاة ذلك، ولا يمكن تجاهل الأمر، ويمكننا أن نفعل ذلك، ومن دون أن نضر بمصالح الأردن مع الولايات المتحدة، أو غيرها من الدول الحليفة، فقد أجمعنا على أن حماية النظام واستقراره ومصالح الدولة العليا أهم من التحالفات، لأن الجبهة الداخلية الواحدة والقوية والمتماسكة خط الدفاع الأول والأخير عن مصالحنا، لذلك لا بد من مراعاة مشاعر الرأي العام ضد أميركا، وانحيازها للعراق أرضا وشعبا بالدرجة الأهم، كما أنه من الممكن استخدام مثل وسائل الضغط الشعبية هذه في مواجهة الضغوط الأميركية التي كانت تريد أن تدفعنا نحو قرص النار.
بدأ الحديث الروابدة؛ وتحدث بشكل جيد وأظهر مشاعر الناس، وألمح بشكل بعيد لحملة التشويه التي تعرض لها الموقعون على الرسالة.
بالنسبة لي بعد أن شكرت الملك على اللقاء، تمنيت عليه أن يظل يلتقي بنا، فقد انقطعت لقاءاتنا به منذ فترة، وهي لقاءات كانت مهمة ومفيدة لنا جميعا، ثم شرحت لجلالته مدى غضب الناس، وأن كثيرا من الغضب ليس منصبا على السياسات الأردنية، بل على السياسات الأميركية والوضع العربي العاجز عن التعامل مع انحيازها لإسرائيل، فلم نبتعد عن مشاهد القتل الذي مارسه شارون ضد الفلسطينيين، حتى عادت لنا مشاهد قتل الجيش الأميركي لأشقائنا العراقيين، وتحدثت لجلالته بأننا صرنا خبراء بمخالفة أميركا لوعودها، وأن البرنامج العسكري للولايات المتحدة في العراق قد ينجح ويسقط نظام صدام حسين في النهاية، أما البرنامج السياسي للأميركيين فهو متغير وغير واضح، وهو ما قد يؤثر علينا بشكل سلبي في المستقبل.
في مداخلتي حاولت أن أبين حجم التناقض الواضح بين ما تقوله حكومتنا وما يعرفه الناس، وبالتحديد حول حقيقة الوجود الأميركي في الأردن، وهو ما يؤثر على مصداقية الحكومة، فالناس ترى وتعرف وتسمع، وهي مقتنعة بوجود أعداد كبيرة من القوات الأميركية.
ثم هاجمت الحكومة على افتعالها للحملة الإعلامية ضد موقعي الرسالة، واستغربت أمام الملك كيف لنا أن نوصف بأننا حاقدون ومزايدون، وقلت إن حديث الملك لـ"بترا" هو حديث مُتقدم، ولكنه جاء في مرحلة متأخرة، وليس منذ بداية الأزمة، وظهر الحديث وكأنه جاء بضغط من الشارع، وهو ما لا نراه من صالح النظام، فالمبادرة دائما يجب أن تكون من صاحب السلطات الدستورية ووليها، صحيح أن تصريحات الملك تسببت بتهدئة الانقسامات في المواقف السياسية حيال الحرب على العراق، لكننا كنا نتمنى أن تكون في بداية الأزمة وقبل تفاعلاتها السلبية.
أما عبيدات فقد تحدث بكلام رائع وواضح، ووضع النقاط على الحروف، وقدم كلاما موضوعيا من منطلق خبرته السياسية والأمنية، متحدثا عن عمق بعض الشعارات التي هتف بها متظاهرون في شمال المملكة على خلفية تشييع جثامين أربعة طلاب كانوا يدرسون في العراق، واستشهدوا بفعل القصف الأميركي، مستعرضا أهمية الوقوف جيدا والتحليل بتمعن لتداعيات تلك الأحداث التي تنشأ تحت تأثير اللحظة العاطفية.
وهاجم عبيدات بشكل قوي وساخر تلك الحملة التي تعرض لها الموقعون على الرسالة، وقال: إنهم لا يزايدون علينا في ولائنا للملك وللبلد، لكنهم لا يمثلون أحدا، وتساءل عن رؤساء البلديات الذين ينشرون الإعلانات ضدنا، وقال: إنهم معينون من الحكومة ويأتمرون بأمرها، مشددا على أن الأموال التي تصرف لإعلانات هذه الحملات، يجب أن تذهب لصالح تحسين واقع البلديات، وليس لصالح حملات التهجم على أصحاب رأي ووجهة نظر، كما حمل مسؤولية الحملة الإعلامية للمخابرات وليس للحكومة.
وتحدث عبيدات أيضا عن ضرورة أن تأخذ الحكومات موقفا أخلاقيا، أكثر من أن تأخذ موقفا سياسيا بحتا في مثل هذه الأزمات، خصوصا بعد اهتزاز مصداقية الشارع العربي بأنظمته الحاكمة.
أما مضر بدران فكان آخر المتحدثين، وكان غاضبا، وظهر الغضب على وجهه ونبرة صوته، وبدأ بالقول: إنه لأول مرة في حياته يوقع على عريضة أو رسالة، لكنه ما كان ليوقعها لو أن لقاءات الملك برجالات الحكم ما تزال تنعقد، وقال للملك: أنا لم أرك منذ سنتين.
وانتقد بدران الحملة على موقعي الرسالة، وقال: وصفنا بكل الأوصاف؛ حرس قديم وأصحاب دكاكين، حاقدين، لقد أصبح الواحد منا كرئيس سابق للوزراء متهم أمام الشارع.
لكن بدران أوضح في تلك الجلسة موقفا تاريخيا مهما؛ بقوله إنه كان يعرف ضعف قدرة نظام صدام حسين الدفاعية على التصدي وجيشه للعدوان، وتحمل القصف الأميركي ودول التحالف على بغداد العام 1991، لكنه ومع علمه الأكيد بذلك، كان يجلس تحت قبة البرلمان ويقدم خطابا سياسيا عاطفيا، ليُرضي به مشاعر الناس المُتلهفة للصمود بوجه حرب أميركا وحلفائها على دولة عربية شقيقة، فالمواطن الأردني لا يقبل فكرة انهيار العراق، وأنه تحمل آثام تفاؤله السياسي المُفرط، لكنه التزم بمشاعر الناس، ولم يجعلهم يثورون على سياسات نظامهم وأجهزة دولتهم، مؤكدا أن الموقف متشابه لكن السياسات اختلفت، وهو ما قد يكون خطرا يهددنا جميعا.