سياسي يتذكر الحلقة الخامسة
24 نيسان 2014
المصري: عملي سفيرا في باريس قربني أكثر من الراحل الحسين
محمد خير الرواشدة
عمان – يستكمل رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري نشر سلسلة ذكرياته السياسية عن المواقع التي شغلها على مدى 45 عاما من العمل السياسي المتواصل.
ويسرد المصري في حلقة اليوم من سلسلة "سياسي يتذكر" كيف تعامل مع أول مهمة دبلوماسية له كسفير في العاصمة الإسبانية مدريد.
ويشير إلى الخبرة المعرفية التي اكتسبها خلال فترة تواجده في مدريد لمدة أربع سنوات، وكيف كان شاهدا على وفاة الرئيس الإسباني الجنرال فرانثيسكو فرانكو، وعودة إسبانيا للملكية عبر تنصيب الملك خوان كارلوس.
ويحاول المصري شرح الطريقة التي كرس فيها الملك خوان كارلوس مقاليد حكمه عبر الانفتاح أكثر على الحريات ومأسسة عمل المؤسسات الدستورية، وهو ما أكسبه "سلطة معنوية وليس سلطة نفوذ".
وكان المصري روى في حلقة أمس تفاصيل حول ترشحه في الانتخابات النيابية التكميلية لمقعد نابلس الشاغر، وكيف سمع عبر المذياع خبر نجاحه في الانتخابات، وهو في طريق عودته من نابلس، وكيف أن الحياة النيابية أدخلته حكومة زيد الرفاعي وزيرا للدولة لشؤون الأرض المحتلة.
كما كشف تفاصيل حضور الأردن لمؤتمر قمة الرباط العام 1974 وجوهر التباين بين الموقف الأردني والموقف العربي من الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، مُعلناً موقفه من الأمر، وأسباب خروجه من حكومة الرفاعي.
كما تحدث عن تفاصيل الموقف الرسمي من حرب العام 1973، وكيف أن مجلس الوزراء اشتبك في جدال "طويل وحاد" حول الموقف الأردني من الحرب، وهو النقاش الذي أسفر عن تقديم وزيرين من حكومة الرفاعي استقالتيهما.
وفي حلقة اليوم يواصل المصري حديثه عن الخبرة الدبلوماسية التي اكتسبها بمحطته في باريس سفيرا للمملكة، وكيف أن هذه الفرصة قربته كثيرا من الراحل الحسين.
كما يكشف المصري عن تفاصيل عودته لمجلس النواب "المُعطل" إبان اعتماده سفيرا في لندن لأربعة أشهر، وكيف دخل حكومة أحمد عبيدات وزيرا للخارجية خلال تلك الأيام. وفيما يلي التفاصيل:
- بعد العودة من قمة الرباط 1974، واقرار القمة لوحدانية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني، هل بقيت على موقفك الرسمي حتى بعد خروجك من الوزارة؟
-كنت متألما من القرار، ومتألما أكثر من الروح العدائية، التي ظهرت بين بعض أعضاء الوفدين الأردني والفلسطيني.
بعد عودتنا إلى عمان كان هناك استقبال شعبي في المطار، شعرته يكرس الانقسام الذي حصل بين الجسمين، وهو أمر محزن للغاية.
بعد ذلك صار منطقيا، أن تؤلف وزارة جديدة بناء على المعطيات الجديدة، حيث خرج الوزراء من الأصل الفلسطيني المحسوبون على الضفة الغربية، وأنا واحد منهم، واستقالت الحكومة في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1974.
هنا أذكر على صعيد وحدة الموضوع وربط الأحداث، بأن الراحل الحسين حاول تطويق تداعيات هذا القرار، وحاول إعطاءه معنى مختلفا، بحيث يكون الأردن غير مشمول بالاعتراف بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، لأن أعضاء المنظمة هم مواطنون أردنيون. وجرت زيارة مهمة للراحل الحسين لأنور السادات (الرئيس المصري الاسبق) في القاهرة، لبحث الاتفاق مع مصر على ذلك، وصدر بيان بما نصه ان الأردن غير مشمول بالتعامل مع المنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، لكن، كان واضحا ان قبول السادات بالأمر، لم يكن أكثر من عمل تكتيكي، لأنه لم يلتزم بالأمر عمليا على أرض الواقع.
- إذا، مع بواكير عملك السياسي اشتبكت بقضايا كبيرة؟
-كانت دروسا حقيقية، لا أشك للحظة بأنها صاغت وعيي السياسي، وكانت هذه من المفاصل المهمة في حياتي، والتي حددت بعدها بوصلة العمل العام لدي، ومواقفي من القضايا الوطنية الفاصلة.
كنت بعمر صغير، فكان لمعاني كل ما جرى تلك الفترة أنها صنعت فعلا طاهر المصري، السياسي ورجل العمل العام، لا أقلل من باقي مراحل العمل، التي كنت موجودا فيها، لكن تلك الفترة تحديدا لها علي فضل كبير في العلم والمعرفة والاقتراب من العمل العام ومطبخ صناعة القرار.
في ذلك العمر، كان للخبرة أثر، رافقني حتى يومي هذا، ولا أقلل في هذا المقام من أهمية الأساتذة السياسيين الذين تتلمذت على أياديهم، وأهمهم كان الراحل الحسين طيب الله ثراه.
وهل انتظمت في عملك كسفير، وهل وجدت نفسك في هذا الموقع الدبلوماسي؟
عندما غادرت إلى مدريد، كانت الأيام بالنسبة لي هادئة، وفرصة للتمعن بالمراحل السابقة، والبحث عن ذاتي في العمل السياسي أكثر.
لكن، وكسائر أبناء جيلي، فنحن مولعون بالعمل والبحث عن تعبئة الوقت به، هناك في مدريد وعلى الرغم من هدوء حياتي الشخصية والسياسية، إلا أن الأحداث كانت تتسارع بشكل لافت.
سلمت أوراق اعتمادي للرئيس الاسباني الجنرال فرانثيسكو فرانكو، وكانت اسبانيا بعيدة عن اوروبا، بسبب سجلها في الحرب العالمية الثانية، والبقاء خارج تحالفات الحلفاء والمحور، وبسبب موقف فرانكو نفسه من الحرب الأهلية الطويلة والدموية، فقد كان حكمه عسكريا مسيحيا متشددا.
في تلك الفترة، كان من أكبر العقبات التي واجهتني اللغة، حيث انني لم أكن اتكلم اللغة الانجليزية بطلاقة.
بعد ستة أشهر من وجودي في مدريد توفي فرانكو، وبهذا الحدث شهدت تجربة سياسية حقيقية وفريدة من نوعها.
ففرانكو، الذي لم يتخذ لقب الملك لنفسه، ولم يعين نفسه رئيس وزراء، أو غير الحكم هناك إلى جمهوري، بل بقي ينادى برئيس الدولة، وكان رجال حكمه يسيطرون على كافة مفاصله، وكانوا محافظين ومتهمين بالفاشية، نتيجة مواقف فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية الشهيرة، وبسبب تعامله مع هتلر.
ومع ذلك قرر فرانكو أن لا يلغي النظام الملكي، لكنه جمده طيلة فترة رئاسته، لذلك اوصى بعودة الملكية بعد وفاته، لابن الملك الشرعي، وهو خوان كارلوس.
كما أوصى فرانكو بتدريب وتأهيل خوان كارلوس على الحكم، واوصى الجميع بدعمه. هذه الأحداث كلها كانت تجري وأنا اتابعها عن قرب وباهتمام كبير، فالتجربة بذاتها قد لا تتكرر أمامي. مباشرة، بعد وفاة فرانكو، جرى انتقال سلس للسلطة وحضر الملك الحسين، ووفد أردني مراسم الجنازة، فيما مثلت أنا الأردن بمراسم تنصيب الملك خوان كارلوس.
- لكن ما الغريب في كل هذه الأحداث، ألم تكن تلك المرحلة وما قبلها زاخرة بمثل هذه المناسبات والمراسم عربيا ودوليا؟
-صحيح، لكن الحدث الفارق، الذي شدني لمتابعة الأحداث هناك وباهتمام كبير، ولا أبالغ إن قلت بأني درست تلك الأحداث دراسة علمية متأنية وبعناية فائقة، هو كيف تمكن الملك خوان كارلوس من العمل وبجدية لإعادة النظام الديمقراطي لاسبانيا، ورفع جميع القيود، التي كان قد فرضها فرانكو طيلة أيام حكمه العسكري، والتي كانت سببا في ابتعاد اسبانيا عن اوروبا، وتأخرها في اللحاق بها سياسيا وديمقراطيا وحتى اقتصاديا.
كان نظام الملك خوان كارلوس في أول عهده هشا وضعيفا، لأن مفاصل الحكم كانت ما تزال تحت سيطرة رجال فرانكو، لكن الملك ظل يتدرج في الإصلاح شيئا فشيئا، حتى مهد الأمر لحل الحكومة، التي كانت امتدادا لفرانكو، ثم أتى عبر الانتخابات الديمقراطية بأدولفو سواريث غونزاليس رئيسا للحكومة، وهو الشخصية الاسبانية الوسطية والإصلاحية، فقد نجح بعد أن جرت الانتخابات بحرية ونزاهة، وفاز فيها الحزب الاشتراكي برئاسة غونزاليس.
كانت تجربة رائعة لي شخصيا؛ وأنا أتابع بالتفاصيل هذا التدرج الممنهج بالإصلاح، وكيف ان خوان كارلوس أعاد بناء الدولة الديمقراطية، دون أن يتعدى على صلاحيات السلطات الأخرى، وأصبح ملكا دستوريا حقيقيا، وحظي باحترام شديد جدا، وواسع، فكان نفوذه معنويا وليس سلطويا، وبذلك لحقت اسبانيا باوروبا ولعلها تقدمت على بعض دولها في مراحل.
- كان درسا في العمل الديمقراطي لك، لكن من دون أن تطور مهاراتك في العمل الدبلوماسي؟
-تطوير مهاراتي في العمل الدبلوماسي كان في المحطة اللاحقة في باريس، لكن متابعة تفاصيل تتطور الحكم في اسبانيا لفتتني لدرجة متابعة أدق التفاصيل.
طبعا، بتلك الفترة شهدنا اعتراف اسبانيا باسرائيل، وقد تابعت الأمر على أمل أن يكون هناك موقف مختلف عن باقي الدول وقتها، فقد كانت اسبانيا واليونان الدولتين الأوروبيتين الوحيدتين اللتين لم تعترفا باسرائيل، لكن بعد أن بدأت بعض القوى السياسية الاسبانية بالتفكير بإنشاء علاقات دبلوماسية مع اسرائيل، وبدا ضغطها جليا على الحكومة، كان واضحا لنا في الأردن بأن اسبانيا لا تستطيع أن تقترب من اوروبا، من دون علاقات مع اسرائيل.
- في تلك الأيام كنت شاهدا على اختطاف السفير المصري في مدريد، على يد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، على خلفية الموقف المصري الذي ذهب للسلام مع اسرائيل في كامب ديفيد؟
-نعم كنت هناك، وقد تستغرب ما أقول، لأن فيه مغامرة غير محسوبة على الإطلاق، وفعلتها وبنية صادقة، لكن لم أنجح.
فلدى سماعي خبر اختطاف السفير المصري؛ ومن دون أدنى تفكير بالعواقب، حاولت الاتصال بالخاطفين، لأشرح لهم خطورة ما يقومون به على القضية الفلسطينية، والأثر المباشر لذلك على وسم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب والتطرف. ذهبت إلى باب السفارة، لمحاورة الخاطفين حول الأضرار المترتبة على الأمر، لكنني لم اتمكن حتى من الوصول إلى باب السفارة، نتيجة الوضع الأمني.
- ألم تفكر بأنك قد تكون صيدا ثمينا للخاطفين في ذلك الوقت، صحيح أن الأردن لم يكن يفكر بالسلام مع اسرائيل، لكن ما تزال العلاقات متوترة بين السلطات الأردنية وكتائب مقاومة الاحتلال؟
- لذلك، قلت إنها مغامرة غير محسوبة، وفعلتها من دون أن أقدر أية عواقب، لكن قد أكون مطمئنا لفكرة أن النفوس هدأت، كما أنني كنت بعمر يسمح لي بأن لا أخاف، فلم اتجاوز عندها 33 عاما.
- وكم بقيت سفيرا في مدريد؟
-أربعة أعوام، وانتقلت بعدها إلى باريس، وكان هذا في تشرين الثاني "نوفمبر" 1978، وكانت تلك محطة مهمة على صعيد عملي السياسي والدبلوماسي.
فقد كنت سفيرا، وبنفس الوقت مندوبا دائما للمملكة في اليونسكو، وكان الموضوع السياسي العربي والإقليمي في أوجه، وكانت علاقات الراحل الحسين مع باريس في تطور وازدهار، وسعى الملك رحمه الله للاستفادة من العلاقات الأردنية الفرنسية في وقت كان فيه السادات أقام السلام مع اسرائيل، كما كان رحمه الله يريد أن يكرس مفهوم المؤتمر الدولي لحل القضية الفلسطينية ويحشد له دبلوماسيا وسياسيا، بوقت كانت الحفريات الإسرائيلية بالمسجد الأقصى وتحته في أوجها، كما أن انتقال جامعة الدول العربية من مصر إلى تونس، وخروج مصر من الجامعة العربية، كان حدثا مهما، وفي تلك الفترة شهدت بداية التحول الأوروبي تجاه الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، أو بفكرة حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير.
كان الرئيس الفرنسي وقتها فاليري جيسكار ديستان، وقد كان معجبا بسياسات ومواقف الراحل الحسين.
ما ذكرته أعلاه كانت ظروفا ومهام ومسؤوليات اضطلعت بها، وفتحت أمامي آفاقا مهمة وتجربة فريدة. استمتعت في العمل في باريس وقد أقمت هناك خمسة أعوام، ولعل باريس أيضا لها هوية ثقافية فنية جمالية تجعلك سعيدا بالإقامة فيها.
استطاع الأردن، وبفضل العلاقة المتميزة بين الحسين والرئيس ديستان أن يؤثر في القرار الفرنسي تجاه بعض القضايا العربية، وبالذات الموضوع الفلسطيني، وقد كان هذا واضحا عندما دعمت فرنسا تلك الأيام استفادة الأردن من السوق الأوروبية المشتركة.
لكن أهم تحول، جاء بفضل الأردن وعلاقاته مع فرنسا، هو على صعيد دعم القضية الفلسطينية، وتحديدا (بيان جنوا)، فقد كان للأردن دور مهم في اقناع فرنسا ودول اوروبية أخرى بإصداره، إذ اعتبر البيان، بداية اختراق في قدرتنا على إقناع اوروبا بالاعتراف بأحقية الشعب الفلسطيني بتقرير المصير.
- هل تطورت علاقتك بالراحل الحسين وأنت في فرنسا، نتيجة زياراته المتكررة إلى هناك، أم بقيت في إطار عملك الرسمي؟
-استطيع القول بأن وجودي في باريس كان سببا أساسيا في تعرفي على الملك الراحل أكثر، وقد اقتربت منه أكثر، نتيجة تطور فهمي للعمل السياسي، واجتهادي في عملي الدبلوماسي في باريس أكثر من مدريد.
وزاد من مسؤولياتي السياسية والدبلوماسية، بأني كنت استدعى إلى قصر الإليزيه ولقاء الرئيس ديستان، ليستمع مني حول موقف الأردن من القضايا في المنطقة.
وتكررت زياراتي إلى القصر الفرنسي، بسبب ايمان الفرنسيين بالاستماع لموقف الراحل، في تلك الأيام كنت مضطرا لنقل الموقف الرسمي الأردني بمهنية عالية، كما كنت حريصا على حسن تمثيل المملكة والملك أمام الفرنسيين، الذين ارتبطوا بعلاقة استراتيجية وقتها مع الحسين.
مما أذكره مثلا حول مقدار اهتمام الفرنسيين بالأردن انه ولدى تقديمي أوراق اعتمادي، وكان الوقت مساء، وبعد ساعة من تسليم أوراق اعتمادي، اتصل بي الإليزيه ودعاني لرحلة صيد مع الرئيس.
طبعا وافقت فورا، رغم أني "بحياتي ما خرجت للصيد"، ولم أطلق رصاصة واحدة من بندقية، ذهبت بعدها للسوق، واشتريت ملابس صيد، والتحقت بالدعوة.
طبعا، اتضح لي أن مهمة الصيد لديهم كانت سهلة، فبعد أن يقوم عاملون "بكش" الحمام باتجاه الصيادين، تمتلئ السماء بالطيور، وبأي اتجاه تطلق النار، فثق تماما بأنك ستسقط طيرا. كنا في تلك الرحلة نحو تسعة من الضيوف، وكان الرئيس الفرنسي، وفي كل محطة من محطات الصيد، يصطحب في مركبته واحدا من هذه الشخصيات، إلا أنني بقيت معه في كل هذه المحطات، وقد كان له من الملاحظات، التي ناقشته فيها، وفهمت منه حقيقة وجهة نظره، بأن الفلسطينيين متشائمون من جدوى قرار 242، ويعتقدونه نهاية الطريق، في وقت يصر هو على أن القرار بداية الطريق.
• وماذا عن تمثيل المملكة في اليونسكو، هل كان الأمر دبلوماسيا بروتوكوليا أم كان عملا سياسيا استثمرت فيه لصالح تقديم القضية الفلسطينية؟
-كان عملا سياسيا بامتياز، وكان نشاطي في الدولة الفرنسية لا يقل عنه في اليونسكو.
عملنا كسفارة في اليونسكو، بروح قتالية، وحصدنا امتيازات مهمة سنة 1981، فنتيجة العمل الدبلوماسي المتواصل، وتحييد الخصوم استطعنا أن نضع القدس على لائحة التراث العالمي، والأهم بأننا في العام الذي تلا ذلك استطعنا تسجيل القدس ضمن لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر، وتطلب ذلك جهدا وعملا سياسيا ودينيا وثقافيا مضنيا جدا، فقد كانت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية تقف لنا بالمرصاد، لمحاولة إفشال جهودنا، وهو ما استغرق مني عملا متواصلا لمدة عام بأكمله.
لكن نجحنا في النهاية، على الرغم من وجود ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية في اليونسكو، ووجود سفير للمنظمة في باريس.
بتلك المرحلة أيضا، استطعنا انتزاع موافقة الأعضاء على ترؤس الأردن للمؤتمر العام لليونسكو، الذي يعقد مرة كل سنتين بالتناوب، مرة في باريس ومرة في دولة مضيفة.
وقبل ترؤس الأردن لم تكن أي دولة عربية قد ترأست المؤتمر منذ العام 1948، قاد الوفد الأردني ذلك الوقت لرئاسة المؤتمر وزير التربية والتعليم الدكتور سعيد التل، وعقد المؤتمر في بلغراد عام 1980.
- خبرتك كسفير نشط في باريس هل كانت سببا في دخولك الحكومة وزيرا للخارجية في حكومة أحمد عبيدات؟
-لم آت من فرنسا إلى عمان وزيرا، بل هناك أربعة أشهر أمضيتها كسفير في لندن، قبل تسلمي حقيبة الخارجية. أنا انتقلت من فرنسا إلى لندن بمباركة الحسين العام 1983، حيث أخذت مكان ابراهيم عز الدين، الذي انتقل سفيرا إلى واشنطن.
أُبلغت رسميا نهاية أيلول (سبتمبر) العام 1983 بنقلي إلى لندن، وقدمت أوراق اعتمادي لملكة بريطانيا بمراسم رسمية كاملة في تشرين الثاني (نوفمبر) من نفس العام.
في نهاية كانون الأول (ديسمبر) كان الملك في زيارة إلى لندن، وأعلمني بأنه سيتم إعادة مجلس النواب إلى العمل، لأن المجلس بدأ يفقد نصابه بسبب وفاة عدد كبير من أعضائه، ولأن الراحل الحسين يريد لمجلس النواب أن يعود لممارسة عمله وإجراء تعديل على الدستور.
كنت أنا ومحيي الدين الحسيني، سفيرنا في المغرب، سفيرين ونائبين في نفس الوقت، وكان لا بد من عودتنا لتحقيق النصاب القانوني، طبعا فوجئت بالأمر، ولم يكد يمضي على وجودي في لندن سوى أربعة أشهر، وابني نشأت وابنتي نادين، في منتصف العام الدراسي، وفكرة نقل الأبناء إلى مدارس ليست جديدة وحسب، بل طرق التعليم والتدريس مختلفة، وهو أمر يزعج أي أسرة لديها طلبة.
فقلت للملك إنني أرغب في البقاء سفيرا في لندن، وسوف أذهب لعمان وأحضر جلسة النواب، لكن من دون أي إجراءات إدارية، تتطلب إرسال سفير جديد للندن، حيث لم يمض على تسليم أوراق اعتمادي سوى شهرين، ونعتبر بأن الجمع بين النيابة والسفارة شأن داخلي، ليس للبريطانيين علاقة به.
لم يعارض الملك، وعدت لعمان، وكان واضحا بأن حكومة مضر بدران تستعد للرحيل، بعد اجتماع البرلمان، واستدعاني في الأسبوع الأول من كانون الثاني (يناير) احمد عبيدات، الذي كان وزيرا للداخلية في حكومة بدران، وأعلمني بأنه مكلف بتشكيل الحكومة، ويريد أن أكون وزير خارجية معه، اعتذرت له فورا، وقلت له أنا متفق مع الملك الحسين، أن أبقى سفيرا في لندن.
فاستغرب عبيدات وقال: "تستقيل من النواب وترفض وزارة الخارجية لتبقى سفيرا؟! هذا غريب". ذهبت إلى البرلمان لحضور الجلسة، ونحن في احدى "الكاريدورات" بقي ابو ثامر يحاول اقناعي، وانا متمسك بالرفض، وأذكر كيف أن مصورا صحفيا التقط حركة يدي، وأنا أشير بها برفضي، ونشرت الصورة في ذلك الوقت.
في تلك الأيام دخل الملك الحسين المدينة الطبية، بسبب نزف شديد أصابه، في ذلك اليوم اتصلت رئاسة الوزراء معي، وطلبتني في موعد مع رئيس الوزراء، الساعة الخامسة، دخلت الرئاسة، وإذ بالجميع يبارك لي، فأصبح أمر دخولي الحكومة واقعا، وحلفنا اليمين أمام جلالة الملك في المستشفى، وصرت وزيرا للخارجية.