Image
Image

مقدمة توثيق قرارات المجلس العالي لتفسير الدستور

تقديم لكتاب جمع كافة قرارات المجلس العالي لتفسير الدستور خلال الفترة (1930-2012) في التعديل الدستوري الذي تم بتاريخ تشرين اول 2012 وقدمت لهذا الكتاب – الوثيقة – باعتباري رئيساً للمجلس العالي ورئيساً لمجلس الأعيان

 

إنّ سيادة القانون هي أساسُ الحكم في أي دولة، وهذه السيادَة مُستمدة في الأصل من الدستور، الذي تسمو أحكامه على فروع القوانين كافة بحكم مكانته التي تتسم بالعلو والسمو، وتخضع له جميع القواعد القانونية. ولما كانت نصوص الدستور حين توضع لا تُغطي سائر المبادئ التي تحكم التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي لأي بلد، فلا بد أن تكون القاعدةُ الدستورية واضحةً ضماناً لتفعيل مبادئ القانون ونصوصه، ومن أجل أن تكون المنظومة القانونية متسقة مع أحكام الدستور ومتوافقة مع روحه.

 

وانطلاقا من هذه الحقائق والأهداف، ورغبةً في تحقيق قواعد العدل والحرية والمساواة، وضماناً لحقوق الأفراد وواجباتهم، وتحاشياً لدواعي الظلم وغياب العدل ووقوع أشكال الانحراف والتشظي، كان لازماً وجودُ مرجعيةٍ ذات طابع دستوري لتحقيق أهداف الدستور المشار إليها أعلاه باعتبارها أمراً لازماً وأساسياً في مراحل التطور الديموقراطي والسياسي والاجتماعي بأشكالها كافّه، وتتجلّى هذه المرجعية في وجود محكمة دستورية مختصة تتولّى تنقية القوانين من شوائب الخروج على أحكام الدستور، مثلما تتولى تفسير القوانين كلما نشأ خلاف حول بعضها.

 

لقد اعتمد الأردن على تكريس الوضع الدستوري في بداية نشأة الدولة، فجاء دستور(1928) ثم دستور (1947)، وأخيراً دستور (1952) الذي أجمع الفقهـــاء الدستوريون على تميزه بالرقــي في رؤاه، والشمـــول في أحكامه منذ إقراره، وهو أشمــل الدساتير إبّان ولادته، وظل لعقود تاليــه متميزاً بالسمّو والعلــوّ. وتجدر الإشارة إلى أن واضعــي الدستور من رجـال الدولة الأردنية الأوائل، كانوا على درجة عالية من النزاهة وعمق التفكير وبعد النظر، حين أسسوا لدستور محكم جامع يؤطر الحياة العامة لدولة جامعة ناهضة، وقادرة على توفير حياة كريمة لسائر مواطنيها على قواعد العدل والحرية والمساواة، وعلى نحو يحول دون انزلاق الدولة والمجتمع بعامة في أيّ من مثالب الفرقة أو التنازع أو أساليب المحاصصة أو التأثر بمخرجات مثل هذه الممارسات سواء أكانت نشأتها محلياً أم أنها آتية من وراء حدود الدولة، ومع كل هذا التميز فقد خلا هذا الدستور من الإشارة إلى استحداث محكمةٍ دستورية، إلا أن المادة (57) منه نصت على إنشاء المجلس العالي لتفسير أحكام الدستور الذي يتكون من ذواتٍ في مجلس الأعيان ومن قضاةٍ من أعلى المحاكم النظامية.

 

وقد كان لي شخصياً شرف ترؤس هذا المجلس بحكم موقعي رئيساً لمجلس الأعيان، وقد نهض بمسؤولياته بصورة تدعو للفخر والاعتزاز، حيث تحصّل من أدائه الرّصين كمٌ وافر من القرارات الصائبة والسديدة، التي جسدت الأهداف المرجوة من أحكام الدستور. فكان أن تجلى في تلك القرارات تحديد الإطار القانوني لنشاط الدولة وسير السلطات العامة فيها.

 

وفي معرض ما تمثله أحكام الدستور والتفسيرات الدستورية من أهمية بالغة باعتبارها حجر الأساس في البنيان القانوني للدولة، فلا بدّ من الإشارة إلى أمرٍ مهم وأساسي. هو أن الواقع العملي قد أثبت أنه لا قيمة لما تقرره النصوص الدستورية من حريات وضمانات ما لم تؤمِن بها جماهيرُ الشعب وتدافع عنها، لأن هذا الإيمان وذلك الوعي هما السياج الذي يحمي الدستور، وما لم يكن هناك وعيٌ شعبي عــــام -حكاماً ومحكومين-لمضامين تلك النصوص والحرص الأكيد عليها، فإن هذه النصوص تفقد مضمونها العملي.

 

ولأن الدولة الأردنية دولة قانون انطلقت من هذا الأساس الراسخ، فقد أدرك المشرعُ منذ البداية أهميةَ توفرِ الضمانات الكفيلة بصيانة القانون والمنسجمةِ أحكامُه مع أحكام الدستور. فكان إنشاء المجلس العالي لتفسير أحكام الدستور الذي أسهم بصورةٍ فعالة في المحافظة القانونية على الأمن وصيانة الحقوق والواجبات، الأمر الذي يدل بوضوح على عدم انفراد المشرع وحده بتنظيم هذه الحقوق بعيداً عن الرقابة الدستورية.

 

ولما كانت الدولة الأردنية قد دأبت منذ نشوئها على إعمال التطور والتقدم في الميادين كافة، وبما أن المشّرع الأردني يدرك جيداً أن الإصلاحات الدستورية هي القاعدة الأساسية في الإصلاح السياسي والاجتماعي، فقد تمت التعديلات الدستورية سنة (2011)، وتناولت أموراً مفصلية مهمـــة على طريق الإصـلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، كما استحدثت محكمة دستورية بموجب المادة (58) لتكون هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها، وقد حددت اختصاصاتها في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة، وفي تفسير نصوص الدستور تحقيقاً لروح الحياة المتجددة والمتطورة.

 

إن هذا المؤلف هو عبارة جميع قرارات التفسير الصادرة عن المجلس العالي السابق منذ نشأته، لأن تلك القرارات التفسيرية تنطوي على قيمةٍ دستوريةٍ عالية وتقرأ مع المادة التي تم تفسيرها، فإن هذا يجعلها أحد أهم المصادر المشعة لأيّ باحث في هذا المجال.

 

واستكمالاً للإضاءات الواردة من المجلس العالي لتفسير أحكام الدستور، ورغبةً في تكريس المبادئ التي خلصَ إليها هذا المجلس، ومن أجل إتاحة المجال للاستئناس بمضامين تلك المبادئ وقيمها، فقد كانت الرغبةُ ملحةً لجمع تلك المبادئ حتى يتسنى البناء عليها، تعزيزاً لمجتمعٍ نراهُ بعون الله دائم التطور والنمو، متطلعين إلى المحكمة الدستورية الحديثة الولادة بروح التفاؤل والأمل، لتسهمَ في صيانة مبدأ الشرعية، ودولة القانون، وفي تعزيز الثقة بسلطات الدولة، آملاً أن يكون هذا المؤلف قد حقق الهدفَ النبيل الذي نسعى إليه وهو إعلاء سيادة القانون القائمة على سيادة الدستور.

 

 

 

 

 

 

Term of use | Privacy Policy | Disclaimer | Accessibility Help | RSS

eMail: info@tahermasri.com Tel: 00962 65900000

Copyright @ 2015 Taher AlMasri the official web site, All Right Reserved

Image