المصري يقرع جرس الإنذار والتهامس يتصاعد في الأردن حول «أزمة الأدوات» وإقرارات «نخبوية» متسارعة بتراجع كفاءة الإدارة وتعقيدات الوضع الداخلي
عمان ـ «القدس العربي»: أهم ما في حديث شخصية سياسية من طراز طاهر المصري في الأردن حول الحاجة الملحة لكفاءات موثوق بها تنقذ الإدارة الأردنية العليا هو انه ينطوي في الواقع على اعتراف وإقرار ضمني بأن الموجودين الآن من سكان الطبقة العليا ليسوا ضمن الفئة التي يطالب فيها المصري.
دبلوماسية رجل من وزن المصري ونعومته المعتادة غابتا عن المشهد وهو ينشر في صحيفة «الغد» أمس الأول ما يمكن وصفه بأجرأ مقال في النقد الذاتي لأحد أبرز رجال طبقة الحكم والدولة. أهمية ما قاله المصري وشغل الوسطين السياسي والإعلامي في الأيام الثلاث الماضية تكمن في أنه لا يتعلق بالسياسات الخارجية فالرجل قال وأمام «القدس العربي» مباشرة وعدة مرات إن السياسة الخارجية تبقى في يد أمينة ما دامت محكومة بخبرات ورؤية جلالة الملك في الوقت الذي لا ينطبق فيه التفاؤل نفسه على الواقع عندما يتعلق الأمر بالموضوع الداخلي.
في السياق «القدس العربي» حضرت بصفة مباشرة وفي عدة مناسبات جلسات عصف ذهني أدارها المصري مع نخبة من المثقفين الوطنيين الذين يمثلون أكثر من اتجاه.
في النقاشات المباشرة معه لا ينفي المصري كما فهمت «القدس العربي» شعوره بالحاجة الملحة لاستبدال الطبقة الإدارية والسياسية وللتعاطي مع واقع المشكلات والتحديات انطلاقا من تشخيص واقعي لها يقر ضمنيا بأن الأدوات الموجودة حاليا قد لا تصلح لمهمة إصلاح الموقف أو حتى الحد من مخاسر التعثر.
أزمة أدوات الإدارة والحكم يقر بها غالبية كبار الساسة في الطبقة الناشطة أردنيا فالديمقراطية برأي لاعب من وزن ممدوح العبادي يصنعها الديمقراطيون والإصلاح برأي وزير البلاط الأسبق مروان المعشر يحتاج دوما لإصلاحيين.
بجرأة لا يستثني المصري نفسه من هذه القاعدة، لذلك شكلت مقالته حول تردي الوضع الداخلي تحديدا محطة أساسية تعتبر آخر ما عرض بجرأة من قبل سياسيي الدولة في محاولة لتحريك المياه الراكدة ولفت نظر أصحاب القرار المرجعي لأن الوضع الداخلي يحتاج لقدر أكبر من الانتباه في الوقت الذي تستقر فيه حزمة مصالح الأردن والأردنيين على الصعيد الإقليمي. يعرف المصري وغيره من الساسة أن القضايا الإقليمية وتطوراتها تشكل عناصر لا يمكن التأثير فيها كثيرا فحجم التاثير حفاظا على مصالح البلاد والعباد مرتبط بالخبرة التي تدير ملفات الخارجية بصورة آمنة مرحليا مما يستدعي الالتفات للوضع الداخلي.
على هذا الأساس جرعة تحذيرات المصري كانت مضاعفة عندما تحدث عن الوضع الداخلي وإدارة السلطة والمؤسسات.
ما عرضه المصري في السياق انطوى على جرأة غير مسبوقة، خصوصا عندما تحدث الرجل عن مراكز القوى التي تشكلت من ضحايا تقليص العلاقة الريعية مع الدولة واتخذت شكل المعارضة من دون جوهر أو برامج.
المصري أيضا أقر بأن الوضع الداخلي في تراجع كبير، وقال ما لم يقله دبلوماسي من وزنه عندما تحدث عن دق ناقوس الخطر.وعن الحاجة الملحة لشرفاء في الإدارة ولطاقم جديد في الحكم يمتص ما وصفه بتداعيات ونتائج الأحداث الإقليمية التي تزحف على شكل موجات صغيرة على الأردن مؤهلة لأن تشكل لاحقا أحد التيارات الجارفة.
هنا حصريا لا بد من قراءة تحذيرات المصري انطلاقا من عدة وقائع أهمها ان الرجل كان حتى قبل أشهر رئيسا لمجلس الأعيان ولم يحظ دون غيره من كبار الشخصيات بلقاءات تشاورية خاصة ومغلقة.
وبينها أن المصري على صلة يومية بكل أطياف قادة المجتمع الأردني وبقي طوال الوقت، رغم تقاعده من الوظيفة، محطة أساسية بالنسبة للسفراء وكبار ضيوف الأردن من العرب والأجانب ما يعني ان لديه حصيلة من المعطيات والمعلومات تؤهله لقرع جرس الإنذار.
فوق ذلك يعتبر المصري من المقربين من رئيس الوزراء الحالي الدكتور عبدالله النسور ومن الناصحين له ولا تربطه مؤشرات تجاذب بأي من أصحاب القرار المرجعي، بمعنى ان الرجل يعرف ما الذي يقوله عن ماذا ومتى وأين؟
لذلك تكتسب طروحات المصري أهميتها، السؤال الآن: بعدما طرق المصري جدار الخزان مقرا بقصور وتقصير نخبة الإدارة العليا التي ينتمي لها ومقرا بحضور أزمة «أدوات»… ما هو الجواب؟