ملاحظاتي حول الندوة المغلقة في برلين، بدعوة وزارة الخارجية الألمانية -لمراجعة العلاقات الاوروبية والدول الاسلامية
رسالة غير رسمية موجهة إلى جلالة الملكة رانيا العبد الله، سُلمت إلى مكتبها بتاريخ 20/11/2002، جاءت هذه المقترحات بناءا على مشاركتي في مؤتمرات عديدة في أوروبا. وما جعلني أوجه هذه الرسالة لجلالتها انها استقبلت عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية آنذاك ودعتني لحضور الاجتماع معها باعتباري كنت في بداية تكليفي بمهمة المفوض العربي لمؤسسات المجتمع المدني لتبحث معه في طريقة دعم المرأة والشباب في مؤسسات الجامعة العربية، واجتماعها هذا حفزني أن أقدم لها هذه الآراء التي تضمنتها رسالتي ولأنني كنت خارج المنصب السياسي فقد ارتأيت من المناسب أن أكتب رسالة غير رسمية (Non Paper).
شاركت مؤخراً في ندوة مغلقة في برلين دعت إليها وزارة الخارجية الألمانية ومعهد للتبادل الثقافي في شتوتغارت، غرض الندوة كان دراسة الوضع بين الدول الإسلامية (وليس بيــــن المسلمين) والمانيا وأوروبا، ومعرفة الأسباب التي أدت إلى هذه الفجـــــــــــوة بين الإقليمين (والبعض قال أنها بين المسلمين والمسيحين في هذين الإقليمين) التي تربط بينهما الجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة، والتقيت في الندوة مع عدد من المفكرين والأكاديميين من حوالي 15 بلداً عربياً وإسلامياً، وما جرى من نقاش بيننا حول حال المسلمين في أقطارهم. عزز ما لمسته خلال الأشهر الستة الماضية من خلال مشاركتي في عدة ندوات ومؤتمرات ومحاضرات وزيارات إلى الولايات المتحدة وتونس والقاهرة وبيروت وعمان، إضافة إلى بــرلين، بأن الجميع يشعر ويطالب بأن تتم مراجعة شاملة لكل أوضاع المسلمين وشؤون دينهم، وأنهم بحاجة ماسة لدراسة أسباب ما حل بهم داخل مجتمعاتهم وفي نظرة المجتمعات الأخرى تجاههم، تقرير الأمــم المتحدة حول التنمية البشرية في العالم العربي كان تصويراً دقيقاً لهذه الأوضاع ولكنه لم يعط الحلول، ونحن الآن بحاجة إلى البدء بوضع الحلول وليس فقط تشخيص الحالة المرضية.
هناك شعور قوي بأن الارتباك والغضب الشديدين يسود الناس، وان التوجه نحو الانغلاق والريبة من الآخر تزداد مع الأيام، الأمر الذي يقود بدوره إلى التطرف والتخلف معاً، وتسري السلفية الانغلاقية والمفاهيم الظلامية داخل مجتمعاتنا الإسلامية بشكل سريع وواسع. ولم يبذل لغاية الآن جهد حقيقي لا على المستوى القطري ولا على المستوى الإسلامي لإيقاف هذا التيار، وهناك حاجة ماسة لمن يعلق الجرس.
لذلك، فإنني أود أن أقترح أن يبادر الأردن بشكل مبدئي وبعيداً عن الأضواء إلى الاتصال وإجراء مشاورات مع تونس (لأنها دولة إفريقية ومنفتحة إسلامياً) ومع ماليزيا (لأنها دولة آسيوية غير عربية ومنفتحة إسلامياً) لدراسة فكرة انعقاد مؤتمر إسلامي موسع يصنع تصوراً متكاملاً لما هو مطلوب بحثه وإقراره في هذا المؤتمر العتيد، وتضع الدول الثلاثة الإطار العام للعمل وتحدد أهداف المؤتمر وآليات عمله. ثم يتوسع الاتصال مع دول إســــلامية أساسية مثل مصر والسعودية وأندونيسيا لإطلاعها على الفكرة وعلى الإطار العام لها.
ويوجد في الأردن رجال فكر وعلماء دين وأكاديميون قادرون على وضع الإطار الفكري لهذا المؤتمر. (الشيخ عز الدين الخطيب، كامل الشريف، د.عدنان البخيث، د.ناصر الدين الأسد).
يكون التوجه العام للدعوة على النحو التالي:
- تقوم ماليزيا بالمبادرة بالاتصال مع الدول الإسلامية ودعوتها للمؤتمر تجنباً لحساسيات عربية وإسلامية نعرفها جميعاً، ويعقد المؤتمر على أراضيها.
- يدعى إلى المؤتمر علماء الاجتماع ورجال الفكر والفن وأكاديميون ومثقفون ورجال الدين، ويكون اختيارهم ودعوتهم حسب معايير معينة، أهمها الانفتاح الفكري والديني والتعامل مع الآخر.
يسعى المؤتمر لأن يكون بداية ل Process (عملية متكاملة) وليس حدثاً منعزلاً أو وحيداً، ويكون إيذاناً بانطلاق مشروع نهضوي إسلامي، لذلك يمكن بل يجب أن تنبثق عنه أكثر من ندوة وأكثر من حوار في الأقطار الإسلامية ليتمكن من تحقيق أهدافه واستكمال مشروعه. - يسعى المؤتمر لإصدار وثيقة، أو إعلان أو حتى ميثاق، يحدد الأسس والمعايير والمفاهيم التي يرتكز عليها المشروع النهضوي الإسلامي تحتوي على عناصر أساسية منها على سبيل المثال لا الحصر:
- يدعو إلى العودة إلى روح الإسلام الحقيقية ويعمل على فتح باب الاجتهاد مرة أخرى.
- يتعــــامل مع المستجدات السياسية والمتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية الاقتصادية في العالم، بغرض تكييف المجتمعات الإسلامية مع هذه المستجدات والمتغيرات.
- يحث على قبول الآخر دينياً وثقافياً وحضارياً، وهي ميزة أساسية في الإسلام أدت إلى نجاح فتوحاته الإسلامية خلال زمن قصير، وأدت إلى بروز الحضارة الاسلامية لأنها هضمت الحضارات الأخرى وتعاملت معها ولم تنبذها.
- توثيق العلاقة بين المذاهب الإسلامية المتعددة، ويدعوها للاقتراب والتشاور فيما بينها.
- يدعو للحوار الجاد والحقيقي بين الأديان وعلى أسس منفتحة ومسؤولة.
- يدعو إلى تقوية المرجعيات الدينية في العالم الإسلامي عند كافة المذاهب، وقد تراجع دور هذه المرجعيات كثيراً خاصة عند السنة بسبب استخدامها سياسياً، والأزهر أكبر دليل على ذلك، فمن خلال تقوية المرجعيات الدينية يتم وقف الانفلات في الفتاوي داخل المدارس الدينية وفي المساجد.
- يعمل المؤتمر من خلال قراراته ومتابعاته فيما بعد، على تغيير صورة الإسلام التي ترتبط تدريجياً في أذهان المجتمعات الأخرى بالانغلاق والتطرف والإرهاب.
ومن المفضل دعوة الافراد بصفتهم الشخصية والعلمية إلى هذا المؤتمر، وليس المؤسسات مثل رابطــة العالم الإسلامي، هذه الروابط والجمعيات تتأثر بالقرار السياسي لدول تدعمها مالياً ومعنوياً ووظيفياً، كما أن مثل هذه الروابط تقاوم التغيير وغير ديناميكية في تحركاتها وفي تصرفاتها.
كما أنه لا بد من ايجاد معادلة متوازنة للحصول على القبول والدعم الرسمي لقرارات المؤتمر وتحـــركاته المستقبلية، حيث أن التنفيذ في كثير من الأحيان، خاصة في بلدان أساسية مثل السعودية ومصر، لا بد أن يحظى بالدعم والفعل الحكومي.
ما هي مصلحة الأردن في المبادرة لمثل هذا العمل؟
مصلحتنا متعددة الجوانب وأعتقد أنه من واجبنا دائماً ان نسعى إلى إيجاد المناخ والظروف التي تدعو للاعتدال والوسطية والانفتاح، وطبيعة المجتمع الاردني هي هكذا، ولكنها تقع منذ فترة تحت ضغط عناصر لا تتوفر فيها هذه المواصفات، ومن الأفضل أن يكون احتواء هذه العناصر نابعاً من توجه عام أو تيار يشمل الدول العربية والإسلامية.وليس جهداً محلياً بحتاً، فالأردن والأردنيون يتأثرون أكثر من غيرهم بالأجواء والتيارات المحيطة بهم بسبب الموقع الجغرافي الوسطي للأردن وبسبب التركيبة السكانية المتنوعة.
وثانياً، فإن مثل هذا التحرك ينسجم تماماً وسياسات الأردن المنفتحة على العالم والتي تراعي المتغيرات والمستجدات وتدعو للتعاون الدولي والإقليمي وتراعي التقدم العلمي والتكنولوجي، وإذا ما بقي هذا التوجه نحو الانغلاق والسلفية والتطرف، فإن ذلك يتعارض تماماً مع السياسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للدولة، وبالتالي فإنه قد يخلق استقطابات نشهد بعضاً من بوادرها في مجتمعنا.
إضافة إلى ذلك، فإن للأردن دوراً عربياً وإسلامياً يجب أن يلعبه دائماً، والدور في هذه الحالة غير سياسي مما يسهل علينا العمل والتحرك.
وأخيراً، أقول من الأفضل أن تأتي المبادرات منا قبل أن تأتي من الخارج.