Image
Image

سيرة حياة الشهيد ظافر المصري

ألقيت هذه المحاضرة في جمعية عيبال الخيرية ضمن فعاليات الاسبوع الثقافي بتاريخ 14/9/2004، وقد منح رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس وسام الاستحقاق والتميز الذهبي للشهيد ظافر المصري بتاريخ 10/9/2015

 

مــرةً أخرى أقف اليوم بينكم مشاركاً في إحدى فعاليات أسبوع نابلس الثقافي، لقد مضت سبع سنوات على مشاركتي الأخيرة في هذا الجهد الكبير التي تقدمه لنا جمعية عيبال، فالشكر لرئيس وأعضاء الهيئة الإدارية، والشكر خاصة للدكتور عصام العمد–دينامو-النشاط الثقافي في الجمعية، والشكر لكمأيتها السيدات والسادة، على حضوركم هذه المناسبة، وأتمنى أن تستمر الجمعية بنشاط وثبات في إحياء هذا الأسبوع الذي أصبح تقليداً سنوياً ينتظره أعضاء الجمعية وأهل نابلس وأصدقاؤهم كل عام.

 

موضوعنا في هذه الأمسية عرض سيرة حياة الشهيد ظافر المصري.

 

ولـد ظافر المصري في نابلس في نيسان 1941، وهو أصغر أخوانه وأخواته الأربعة عشر، اثنان منهــــم (صبيح وعصمت) أشقاء من والدته ربيحة قناديلو، أخوه الأكبر الحاج نايف كان يكبره بحوالي 40 عاماً.لم يعرف المرحوم ظافر والده الحاج طاهر المتوفي في نيسان 1943.فنشأ في كنف والدته التي أشرفت على رعايته وتربيته.

 

أتم دراسته الابتدائيـــة والثانوية في كلية النجاح الوطنية، وتخرج فيها عام 1959. وكنت أدرس معه في نفس الصف طيلة هذه السنوات، بل كنت أشاركه مقعد الدراسة معظم السنين، وأصبحت علاقتنا ليست على مستوى عم وابن أخيه فحسب، بل أصبحت أخوة وصداقة لا مثيل لها ومتبادلة من الطرفين، وعندما استشهد ظافر في ذلك اليوم الأسود من آذار عام 1986. وقع الخبرعلي وقع الصاعقة لأنني شعرت حينها أننــــي فقدت جـــــــزءًا من نفسي، ولا أزال أشعر بحرقة الفراق وفقدانه إلى هذه اللحظة، التحقنا بالجامعة الأمريكية في بيروت مباشرة بعد تخرجنا معاًمن كلية النجاح عام 1959، حيث درس هوالتجارة وإدارة الأعمال. وتخرج منها عام 1964 عاد بعدها إلى نابلس، وقد انتقلت والدته للإقامة معه في بيروت أثناء الدراسة وبإصرار منهكي لا تبقى وحيدة بعد سفر صبيح وعصمت للدارسة، وكما سنعرف ونرى، فإن ظافر كان ابناً باراً وزوجاً وأباً مخلصاً، وأخاً صادقاً وخدوماً، وإنساناً تتوفر فيه كل القيم الإنسانية والأخلاقية، ووطنياً غيوراً على وطنيته وانتمائه لفلسطين ولأمته ودينه، كان ظافر المصري مواطناً صالحاً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من قيم ومبادىء وأخلاق ومعان.

أدار أعمال العائلة التي تمثلت بشكل رئيسي في شركة الحاج طاهر المصري وأولاده، بشكل جيد وباسلوب عصري بعد وفاة أخيه الحاج نايف عام 1963، من هنا بدأت انطلاقة ظافر المصري لهذا الجزء في الحياة العامة، الاقتصادية والتجارية منها والسياسية أيضاً، وسوف أفرد جزءًا من حديثي فيما بعد لهذا الجزء.

 

عقد قرانه على رغدة إبراهيم النابلسي في شهر أيار 1972، ووزعت بطاقات الدعوة باسم الحاج معزوز المصري ابن عم ظافر الذي كان له بمثابة الأخ الأكبر منذ طفولته، وكان اختيار ظافر لرفيقة دربه (التــي كانت تدرس في ذلك الحين في كلية تدريب المعلمين في رام الله) يدل على شخصيته الهادئة الوادعة، ويدل على رغبته في بناء حياة زوجية مستقرة بعيدة عن الضجيج والظهور.وأنجب منها هناء ومهى وهشام.

 

جاء الاحتلال الإسرائيلي لنابلس وللضفة الغربية في عام 1967 بشكل مباغت للجميع، وكانت نابلس جزءًا من الأردن والسيادة عليها أردنية،  وبهذا بدأت مرحلة جديدة في حياة نابلس وفلسطين لم يكن الناس مهيئين لها، ولم يخطر على بالهم إمكانية وقوع هذا المحظور، فالاحتلال مرفوض ولكنه أصبح واقعاً، والسيادة الأردنية هي الوضع القانوني ولكنها لا تمارس بسبب الاحتلال، وأصبح هنالك حاجة لدور أكبر للمؤسسات الوطنية والأهلية خاصة المنتخبة منها، ومع مرور الأيام وسنين الاحتلال الثقيلة ازداد العبء على هذه المؤسسات، وكان أبو هشام على رأس هؤلاء الناس وفي مقدمتهم، ممن يعملون على تفعيل دور المؤسسات الوطنية والأهلية والمنتخبة لتأخذ دورها الحقيقي والطبيعي في خدمة الأهالي، لم يكن التعامل مع هذا الواقع استكانة في وجه الاحتلال أو قبولاً به. بل على العكس تماماً، فقد استمر العمل الوطني ضد الاحتلال وتنامى إلى أن انفجرت انتفاضة الحجر الباسلة في كل فلسطين في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1987، وأثبت كل الفلسطينيين بسالتهم وصمودهم وانتماءهم لوطنهم وهويتهم وعروبتهم، وما زالوا تبلور دور ظافر السياسي والاقتصادي والاجتماعي، عندما انتخب رئيساً لغرفة تجارة نابلس عام 1973 وبقي رئيساً لها إلى أن استشهد عام 1986، حيث لم تجــر انتخابات للغرفة بعد ذلك، وقدم مع زملائه خدمات جُلى لأبناء مدينته لترسيخ  وضعها وإبقائها العاصمة الاقتصادية لفلسطين، وما زالت نابلس تعتبر هكذا بالرغم  من محاولاتِ الاحتلال  الإسرائيلي  نزع هذه الصفة عنها لترويضها.

 

أجبر تضامن وتضافر كل الفئات السياسية في نابلس خاصة، وفي باقي أنحاء الضفة الغربية عامة، سلطات الاحتلال على إجراء انتخابات بلدية لأول مرة منذ الاحتلال، واختار زعماء نابلس أن يقدموا الجيل الجديد لخوض الانتخابات، وجرت الانتخابات البلدية عام 1967 وخاضها الشهيد ظافر ضمن تفاهم وائتلاف وطني ترأسه بسام الشكعة في قائمة موحدةٍ، وفازت القائمة وأصبح نائباً لرئيس البلدية، وجمع بين رئاسة الغرفة التجارية ونيابة البلدية.

 

خلال الفترة من عام 1973 إلى يوم استشهاده، انغمس ظافر في العمل العام والعمــل الخيــري والإنسانـي. وامتدت أياديه البيضاء إلى كافة أنحاء فلسطين، داخل الخطِ الأخضر، وكل بقعة في الضفة الغربية. وكان  عمل الخير عنده واجباً يومياً بعيداً عن الاضواء او التبجح، ولم يكن يعرف أحداً، بما فيهم زوجته رغدة التي كانت تظن أنها تعرف كل شيءٍ عن حياتهِ، وعن مقدار مساعدتِه للناسِ، كان يزور الفقراءَ في بيوتهم ويلبي حاجاتهم في مقاومةِ المرض  والجوع ، أو في تمكين الطلبة من إكمال  تعليمهم  أو أي حاجات أخرى كلما استطاع ذلك. ولم يكن ذلك مقتصراً على نابلس فحسب بل كانت تأتيه طلباتً المساعدة من كافةِ أبناء فلسطين، ولم يعرف الأهل عن كثير من هذه الحالات إلا بعد استشهادِه عندما تحدثَ الناس عن أياديهِ  البيضاءَ وإحسانه.

 

انتهت مدة المجلس البلدي بعد أربع سنواتٍ، ورفضت سلطات الاحتلالِ التجديد لرئيس البلديةِ، ولم تقرر شيئاً عن باقي أعضاء المجلس، ورفضَ الأعضاء جميعاً البقاءَ بعد أن انتزع الاحتلال حق رئيسهم ولم يعد يمارس سلطاته وصلاحيته كرئيس منتخبٍ وتضامنوا معه، فأقالهم الحاكم العسكري وعين ضابطاً إسرائيلياً اسمه جبر الهنو ليدير شؤون البلدية لأكثر من  أربعين شهراً، وساءت بشكل كبير الخدمات  وعاث الضباط الإسرائيليون فساداً إدارياً وتجاوزوا على القوانينِ ومصالح الأهالي، وأفلست موازنة البلدية، وعمل الاحتلال على إضعاف شركة الكهرباء التابعة للمجلس البلدي تمهيداً لربط نابلس بالكامل مع الشبكة القطرية التي تتزود من شركة كهرباء إسرائيل، وبدأت المحاولات الإسرائيلية الحثيثة لتطويقِ المدينة بالمستوطنات الاستراتيجية حولها، وبدأ المواطنون في الضفة الغربية ونابلس يطالبون بإجراء الانتخابات البلديةِ التي كانت التعبيرَ الأولَ عن كينوتهم السياسية رغم حالةِ الاحتلالِ القائمة، إلا أن الاحتلال رفضَ بشكلٍ قاطعٍ إجراء انتخاباتِ بلديةٍ مما جعلَ منظمة التحرير الفلسطينية وأهالي ومؤسسات وجمعيات نابلس يفتشون عن البديل، وقدمت عريضة موقعة من أكثر من سبعة الآف شخص وجهت إلى الجهات المعنية في منظمة التحرير والحكومة الأردنية تطالب بعدم ترك البلدية تحت رحمة وسياسات الضابط الإسرائيلي، ووصل الاتفاق بين كل هذه الفئات على ضرورة الاستعانة بأحكام قانون البلديات الأردني رقم 29 لسنة 1955 الذي كان ساري المفعولِ على بلديات الضفة الغربية، وإحدى مواد القانون تؤهل وتجيز لإحدى المؤسساتِ المنتخبة في المدينة أن تقوم مقام مجلس البلدية إذا انعدم وجوده و/أو إذا كان متعذراً إجراءَ الانتخاباتِ البلديةِ، حينها كان المرحوم ظافر المصري رئيساً للغرفة التجارية، وكان معنى هذا الاتفاق أن يصبح مجلس إدارة الغرفة هو المجلس البلدي وأن يمارس كامل صلاحياته.

 

وكانت منظمة التحرير تدعو بشدة لقبول هذا الرأي والاتفاق عليه، وكان الشهيد خليل الوزير يضغط بهذا الاتجاه، والتقى مع الشهيد ظافر في عمان عدة مرات، وحتى لا يكون هناك أي سوء فهم أو تحفظ على هذا الاقتراح، التقى ظافر مع ياسر عرفات مرتين في عواصمَ أوروبية، وأعلن عرفات باسم منظمة التحرير تأييده لهذا الاقتراح، بل أصر على تنفيذه بأسرع وقت ممكن.

 

وكانت وجهة نظر المنظمة وبالذات أبو جهاد، أنه يجب ألا تبقى شؤون الأهالي تدار من قبل سلطات الاحتلال، ويجب أن تعطى هذه المسؤولية لفئات وطنية تعمل باتجاه تطوير وبلورة الهوية الوطنية الفلسطينية، بدعم ورعاية من منظمة التحرير، تمهيداً لقيام سلطةٍ وطنية على الأرض الفلسطينية، يتبعها إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، بمعنى آخر، كانت منظمة التحرير تعتبر أن استلام المجالس البلدية من قبل فئاتٍ وشخصيات وطنية مدعومة من قبلها على أن يتم تسليمهم المسؤولية بموافقتها. هي بداية الطريق لإنشاء الدولة المستقلة، وأنا شخصياً أشهد بأن ذلك كان توجه وسياسة منظمة التحرير خلالِ وجودي مع ظافر في أكثر من لقاء مع أبي جهاد، ومن خلال موقعي في ذلك الوقت كوزيرٍ للخارجية ومطلعاً من منظمة التحرير الفلسطينية مباشرة على هذا الموقف.

 

ولم يكن هذا يكفي عند ظافر، فقد حرص على أن يكون طرفا المعادلة في الضفة الغربية: الأردن ومنظمة التحرير على علم واطلاع، وعلى اتفاق كامل حول هذا الأمر، وحضر ظافر إلى عمان غير مرة لبحث هذا الأمر، ورافقته عند زيارته لرئيس الوزراء في ذلك الحين زيد الرفاعي. كما صحبته للقاء الشريف زيد بن شاكر القائد العام للقوات المسلحة الأردنية في ذلك الوقت، والذي كان بمثابة مستشار الأمن القــومي عند جلالة الملك ومن أقرب مستشاريه، وكان هناك موافقة وحماساً منقطعَ النظير تجاه هذه الخطوة، وتم التوافق الواضح والصريح والمعلن بين مثلث أهالي نابلس ومؤسساتها وقواها السياسية، ومنظمة التحرير الفلسطينية وبين عرفات شخصياًمع الحكومة الأردنية من خلال رئيس وزرائها آنذاك وكبار المسؤولين فيها، على السير في تولي مجلس إدارة الغرفة التجارية  مسؤوليات ومهام المجلس البلدي لفترة مؤقتةٍ حتى إجراء النتخاباتٍ البلديةٍ، وذلك بموجب أحكام قانون البلديات الأردني آنف الذكر.

 

استلم المجلس صلاحياته يوم 19/12/1985 في يوم مشهود في حياة نابلس، فقد توجه ظافر المصري رئيس غرفة تجارة نابلس وكافة أعضائها مشياً على الاقدام من مبنى الغرفة إلى مبنى البلدية محفوفين بحشودٍ جماهيريةٍ كبيرة، التفت حولهم مهللة مؤيدة لهذه العودة الميمونة لمؤسسة البلدية حتى تمارس دورها الحقيقي والطبيعي تجاه الناس.وفي نفس اليوم أصدر المجلس البلدي الجديد بياناً للناس ذكر فيه المبادىء التي قبل على أساسها استلام هذه المسؤولية وأكد فيه أن مهمتهم لا تتجاوز السنة. ونشر البيان في صحف اليوم التالي.

 

استمرت مسيرة العطاء لأبي هشام بتأييد كامل من أعضاء المجلس وكافة مؤسسات المدينة ومن القواعد الشعبية، وعادت البلدية لأهلها وبدأ الناس يشعرون بتحسن الخدمات العامة، كما بدأ التخطيط لإنشاء مشاريع خدماتية واستثمارية وسياحية كثيرة لخدمةاقتصاد المدينة، وفكر جدياً بإعادة ترميم البلدة القديمة والحفاظ على مبانيها التراثية بما فيها (باب الساحة) وجعلها، بعد الترميم والتحسين مكاناً سياحياً شبيهاً بالقرى والمدن الأوروبية القديمة، وخلال توليه رئاسة البلدية. لم يتخل ظافر مطلقاً عن تفاهماته السياسية مع منظمة التحريرٍ الفلسطينيةِ أو الأردن أو زملائه من أعضاء الغرفةِ التجارية ، بل أكدوا عليها وعملوا جادين على تطبيقها وتنفيذها. واتخذوا المواقف السياسية التي تمليها عليهم ضمائرهم ووطنيتهم.

 

وجاءَ ذلك اليوم الأسود، فقبل الساعة الثامنة صباحاً بقليل من يوم 2/3/1986 امتدت يد الغدر والحقد والكراهية لتصوب مسدساً من الخلف، وأطلق المجرم طلقتين على أبي هشام بينما كان يتحدث مع شخص من آل شاهين، فسقط البطل أرضاً مضرجاً بدمائه، وفر المجرم وتم نقل ظافر من قبل المارة إلى مستشفى رفيديا، إلا أنه توفي حين وصوله إلى هناك، وبكى الأطباء المعالجون والممرضات وانتقل خبر الاعتداء الآثم وخبر الوفاة خلال دقائق، وأغلقت المدينة كلها محلاتها التجاريةِ ومكاتبها وتوجهت الحشود بعضهم إلى المستشفى والبعض الآخر إلى بيت الفقيد أو إلى البلدية، والبعض هام على وجهه في شوارع المدينة لا يعرف ماذا يقول أو يفعل، وانتظمت المسيرات العفوية في المدينة وبكى الناس في الشوارع. وبأمانة أقول لكم، إنني لا أرسم هنا مشهداً درامياً مبالغاً فيه إطلاقاً، بل هي صورة حقيقية لما فعله أهل نابلس لأبي الخير وأبي الفقراء والمحتاجين، وقد عرضت الصحف المحلية هذه الصورة.

 

وتناقلت وكالات الأنباء العالمية خبر الاغتيال وأصبح حدثاً عربياً وإقليمياً ودولياً، وواكب هذا الحدث، حدث دولي آخر هو اغتيال (أولف بالمه) رئيس وزراء السويد على يد مجهول. ولم يطغ ذلك الحدث على خبر استشهاد ظافر المصري في الصحافة العالمية، بل ذكر الحدثان سوية،  ونشرت مجلــــة (لا نوفيل أو بزيرفوتور) الفرنسية اليسارية المعروفة صورة ظافر وبالمه على غلافها لذلك الاسبوع، وانهالت برقيات التعازي من الأهالي والمؤسسات الوطنية والعربية والدولية ومن الحكومات أيضاً تشيد بالشهيد ووطنيته. وتلقيت جزءامن هذه التعازي باعتبار أن الجميع كان يعلم أن ظافر كان عمي، وكنت حينها وزيراً للخارجية.

 

عند سماع نبأ الاعتداء، جًن جنون الشهيد "أبو جهاد"، فقد كان هو المسؤول الأول عن إقناع ظافر وأعضاء الغرفة التجارية باستلام المهام والمسؤولية، حيث لم يتمكن من حمايته، وأصدرت منظمة التحرير الفلسطينية فوراً بياناً ضد الجريمة حيت فيه وطنية وبسالة ظافر المصري، واعتبرته شهيداً كريماً خالداً من شهدائها. وكذلك فعلت فتح. وبقي المجرمان فارين ثلاثة أشهر إلى أن تم اعتقالهما في نابلس وحكم عليهما بالسجن المؤبد. وبعد الاعتقال، أنشأت منظمــة التحرير الفلسطينية محكمة عسكرية خاصة وحكمت عليهما بالإعدام غيابياً.

 

عندما سمعت نبأ استشهاد أبي هشام، والجريمة النكراء التي اقتـــرفت ضده، كنت يومها في بيروت، وبكيته بكاءً مراً، وعدت إلى عمان، وعقدت العزم على أن أحضر جنازة رفيق دربي وصديق عمري، إلا أن الظروف السياسية حالت دون وداع رفيق العمر وحضور جنازته، حيث كان محظوراً على الرسميين دخول الأراضي المحتلة، وبقيت أسير حزني وألمي ولوعتي في عمان ولم أتمكن من وداعه.

 

في اليوم التالي 3-3-1986 شيعت  نابلس عن بكرة أبيها وفلسطين حبيبها في جنازة لم ولن تشهد نابلس مثيلاً لها، وأعلن الحداد فيها ثلاثة أيام ورفعت الرايات السوداء، وأمت نابلس وفودالعزاء من كل بقعة من أرض فلسطين، ودفن ظافر في باحة مسجد الحاج معزوز المصري، وأحيا المجلس البلدي الذي استلم رئاسته مباشرة السيد (حافظ طوقان) نائب الرئيس، ذكرى الشهيد وأقام له نصباً تذكرياً في المكان الذي أغتيــــــــل فيــــه، وتخليداً لذكرى الشهيد واستمراراً لنهجه وخدماته، أنشأ شقيقه صبيح مؤسسةَ ثقافية سماها (مؤسسة الشهيد ظافر المصري) مهمتها إحياء التراث والنشاط الثقافي وتقديم البعثات العلمية للمتفوقين من أبناء الفقراء. وتم إنشاء مبنى لائق لها على قطعة أرض قدمتها البلدية في أحد أحياء نابلس، ولكن الظروف السياسية والأمنية لم تمكن هذه المؤسسة من السير في المخطط المرسوم لها لتحقيق أهدافها.       تكرر مشهد الجنازة في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد أبي هشام وتكررت فيه مشاهد الحزن والألم لفقدانه، وقام الاحتلال الإسرائيلي بتطويق المدينة وأعلن منع التجول فيها، ولم يستطع الناس الوصول إلى المسجد للصلاة إلا بعد حضور قناصل الدول الأجنبية السبع الموجودين في القدس العربية.

وأقام أهل فلسطين حفلاتِ التأبين في غير موقع، منها جامعة النجاح الوطنية وفي الخليل والقدس. أما في القدس فقد قامت السلطات الإسرائيلية بختم مسرح الحكواتي، مكان التأبين، بالشمع الأحمــــر ومنعت الوصول إليه، وقام المرحوم فيصل الحسيني باستقبال الناس والمشاركين في بيت الشرق، وعقد مؤتمراً صحفياً ندد فيه بالإجراءات الإسرائيلية. وفي سنوية الشهيد الأولى قالت فيه شاعرة فلسطين والعرب فدوى طوقان:

 

يا سيدي، يا أيها المظلوم أنت، ويا حبيبَ مدينتي

جَهِلُوك، لو عرَفوك ما قتلوك، لو عرفوك كانوا

بسطوا أكفهموا إليك، ومن منافيهم أتوك وعانقوك

واستغفروك

لكنهم جهِلوا

يا شؤم ما فعلوا

قتلوا البراءة والطهارة

هدموا منارة

ماذا أقول؟

والشعر مبحوح اللهاة، وصوت كلماتي تصادره المرارة

***

يا إخواتي

قلبي عليكم في متاهات الصراع

ما ضل ظافر في مسيرتنا طريقة

فاستغفروه، استغفروه

كان الوطن 

متداخلاً في روحه

متغلغلاً في جسمه

مستوطناً في دمه المهدور، محتوياً عروقَهُ

أواه يا ظمأ الحقيقة!

 

لقد آمن ظافر المصري بشعبه وبأهل بلده، وكان ملتصقاً بهم وبهمومهم، بآمالهم وأحلامهم، يخاف على كرامتهم، عمل على صمودهم وتثبيت الناس في أرضهم.كان إيمانه العميق بأن الحل يكمن في البقاء على الأرض، والتشبث بها مهما حصل، وكان يؤمن أن الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج هو واحد لا يتجزأ، وكان يحلم لهم بالحرية والاستقلال.

 

لو شاء ظافر المصري لعاش خارج بلده معززاً مكرماً، ولكنه اختار الطريق الصعب، وهو حمل الأمانة في الوقت الصعب، لم يعش يوماً إلا وأنتم في قلبه ووجدانه.

 

ختاماً أقول إننا نحن عائلة ظافر الصغيرة، وعائلته الكبيرة أهالي نابلس، وعائلته الأكبر فلسطين، جميعاً يستلهمون من مسيرته ما يلهب العزيمة في المضي قدماً للتضحية والصمود والبقاء من أجل فلسطين وعروبتها، ونحن على هذا الدرب سائرون.

 

 

 

Term of use | Privacy Policy | Disclaimer | Accessibility Help | RSS

eMail: info@tahermasri.com Tel: 00962 65900000

Copyright @ 2015 Taher AlMasri the official web site, All Right Reserved

Image