سيـــرة حياة المرحوم حكمت طاهر المصري
ألقيت هذه المحاضرة في جمعية عيبال الخيرية في الأسبوع الثقافي للجمعية بتاريخ 17/9/2006 ضمن فعاليات اسبوع عيبال الثقافي الذي يقام سنوياَ
مرة أخرى، أقف اليوم بينكم مشاركاً في إحدى فعاليات أسبوع نابلس الثقافي، والشكر لــرئيس وأعضاء الهيئة الإدارية واللجنة الثقافية على هذا الجهد المستدام، والشكر لكم أيتها السيدات والسادة، على حضوركم هذه المناسبة، وأتمنى أن تستمر الجمعية بنشاط وثبات في إحياء هذا الأسبوع الذي أصبح تقليداً سنوياً ينتظره أعضاء الجمعية وأبناء نابلس وأصدقاؤهم كل عام.
لقد تم اختياري لأقدم لكم في هذه الأمسية عرضاً موضوعياً ومفصلاً لسيرة أحد رجالات نابلس الكبار المرحوم حكمت المصري، وأرجو أن أوفق في ذلك.
هناك من الرجال من لا يموتون أبداً، وحكمت المصري واحد من هؤلاء الرجال الذيـن تركوا بصماتهم على طريق البناء والنضال والصمود والشجاعة والصلابة في الموقـف، وفي العمل الجاد الدؤوب من أجل قضيته الأولى فلسطين، ومن أجل أمته العربية، وكان شريكاً فاعلاً في الدفاع عن الأرض وعروبتها وضرورة ترسيخ هويتها الفلسطينية العربية.
ولا ندري إن كنا نستطيع بهذه الكلمات أن نفي هذا الرجل حقه على كل الأصعدة الوطنية والسياسية والاقتصادية والتعليمية. ولكن سنحاول أن ننجز هذا.
ولد حكمت المصري عام 1907. والده الحاج طاهر كان شخصية اقتصادية واجتماعية مرموقة ومحترمة في نابلس وفلسطين، والدته من آل الحناوي، له خمسة أخـوة، وثماني أخوات، تزوج في تموز عام 1927 (يوم زلزال نابلس الشهير) من وداد أحمد الشكعة وأنجب منها (12) ولداً وبنتاً، التحق في مدارس نابلس وتخرج في كلية النجاح الوطنية عام 1924. أرسله والده الذي توسّم فيه الجد والذكاء إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لدراسة العلوم الاقتصادية، حيث تخرج منها عام 1929، ومنذ عودته من الجامعة، انخرط في العمل الوطني والسياسيوأصبح علماً من أعلام فلسطين والأردن حتى وفاته عام 1994، في مدينته الحبيبة ومسقط رأسه في نابلس.
انغمس حكمت المصري في العمل الوطني العام وبرز فيه، فكان عضواَ في لجنة تأبين الزعيم السوري إبراهيم هنانو، والوفد المنتدب عن نابلس للمشاركة في تشييع الشهيد عز الدين القسام، وكان من المؤسسين لجمعية الشبان المسلمين عام 1928 وعضواً في هيئتها الإدارية، وفي عام 1931 كان على رأس المشاركين في مؤتمر التسليح الذي عقد في نابلس، وفي عام 1936 أصبح عضواً في اللجنة القومية الأولى في فلسطين، التي كان من مهامها محاربة وعد بلفور وتأمين وتنظيم الحركة الوطنية في فلسطينواستمرارها، لضمان تحقيق الأماني الوطنية التي لا تتم إلا بإيقاف الهجرة الصهيونية إلى فلسطين إيقافاً تاماً وفورياً، وهي اللجنة التي دعت مع فروعها في باقي مدن فلسطين إلى الإضراب الشامل عام 1936، وتلا المرحوم حكمت بيان اللجنة القومية أمام الجماهير الغاضبة والمحتشدة في ساحة الجامع الكبير في نابلس. حيث خرج الجميع بعدها في مظاهرة عارمة تضامناً مع الإضراب في يافا في الأيام الأولى من إضرابها. وبقيت اللجنة القومية تعمل على تكاتف سائر مدن وقرى فلسطين وتضافر جهودهم، حتى عقد في القدس في شهر أيار 1936 اجتماع موسع للجان القومية في فلسطين، لتدارس أوضاع البلاد في الإضراب الشامل. وكان حكمت واحداً من أعضاء وفد نابلس.
كان الفلسطينيون بوجه عام وأهالي وزعامات نابلس بوجه خاص ينطلقون في نشاطاتهم الثورية وفي مواقفهم السياسية من كونهم جزءاً من سوريا الكبرى، وخاطبوا الوطنيين السوريين بهذا المفهوم، وبقيت نابلس في كل الأزمان والأوقات متمسكة بمواقفها العروبية.
وقد أثارت نشاطات فقيدنا الكبير ومواقفه القومية والوطنية، حنق سلطات الانتداب البريطاني، وقررت إبعاده بتاريخ 14/8/1936 إلى معتقل صرفند بتهمة التحريض ضد الانتداب وضد النشاط الصهيوني في فلسطين وقد أبعد معه د.مصطفى البشناق، د.صدقي ملحس، الشيخ راضي الحنبلي، وسبع العقاد. وأفرج عنهم بعد ثلاثة أشهر.
وفي أعقاب قرار التقسيم عام 1947، أسهم في تأسيس اللجنة القومية العربية في نابلس.
في هذا العام، وبعد قرار التقسيم، انتهت الحقبة الأولى من حياة حكمت المصري، وقد تميزت هذه الحقبة من حياته بالتأسيس لنشاط وأعمال ومواقف اعتمدت في معظمها على أحداث هذه الفترة، وكما نعرف فقد امتزج النضال ضد الانتداب البريطاني ومقاومة الهجرة اليهودية والمشروع الصهيوني، بصراعات وانقسامات حادة عصفت بالمجتمع السياسي والاجتماعي الفلسطيني، وتجاذبت الزعامات التقليدية والتكتلات الجغرافية أحداث فترة هامة من تاريخ فلسطين تحت الانتداب، مما ساعد في تطبيق الشعار الاستعماري المعروف، فرق تسد. وكان فقيدنا واعياً بحكم دراسته في بيروت واختلاطه بالفكر القومي عارفاً بأهداف وعد بلفور وقناعته أن الانتداب البريطاني ما جاء إلى فلسطين إلا لينفذ المشروع الصهيوني على مراحل، لذلك كان داعياً من خلال كل نشاطاته إلى التماسك ونبذ العصبيات، وضرورة توحيد كل قوى الشعب الفاعلة في مواجهة الخطر الصهيوني والبريطاني، وبشر بالفكر والعمل الوطني القومي.
قامت إسرائيل عام 1948 على 78% من مساحة فلسطين، ونالتاعتراف دول العالم خلال فترة قصيرة، وساعدها معسكرا الحرب الباردة، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وبقيت أجزاء من فلسطين سميت فيما بعد بالضفة الغربية وجزء من القدس وقطاع غزة عربية فلسطينية لا تحكمها أي سلطة وليس لأحد سيادة عليها، وتشرد مئات الألوف من الفلسطينين خارج مدنهم وقراهم وأصبحوا لاجئين، وتدفق عشرات الآلاف منهم على نابلس حيث ساعدهم السكان بكل ما يملكون، وفتحت لهم المدارس والمساجد وغيرها من الأماكن. وتغيرت التركيبةالسكانية لمدينة نابلس بشكل سريع وغير معهود.
وهنا، في عام 1948 بدأت الحقبة الثانية من حياة فقيدنا، ودخل في صلب العلاقة الوحدوية بين الضفتين، وفي صلب النضال والجهود للحفاظ على ما تبقى من فلسطين وعلى عروبتها، بتاريخ 28/12/1948، عقد في المنشية مؤتمر عرف فيما بعد بمؤتمر نابلس بـرئاسة سليمان طوقان وسكرتيرةأحمد طوقان ولجنة إدارة مكونة مـــن كل حكمت المصري، عادل الشكعة، حمدي كنعان، نعيم عبد الهادي، هاشم الجيوسي، حلمي العبوشي، وحافظ الحمد الله. واتخذ المؤتمر قراراً بضرورة قيام وحـــدة بيــــن فلسطين بكاملها والمملكة الأردنية الهاشمية ليشكلا بلداً واحداً يكون الملك عبد الله ملكاً عليها، وقام وفد من ضمنهم حكمت بتقديم القرارات للملك عبد الله الذي أعلمهم أنه يقبل بذلك وسوف يعمــل على تحقيقه، وعقد في أعقاب ذلك مؤتمر أريحا وأعلنت الوحدة الاندماجية بين الضفتين، وجرت أول انتخابات نيابية بعد الوحدة، وانتخب حكمت في مجلس النواب الأردنـــــي الثانــــي وزاملــــه قــــــدري طوقان ود.عبد المجيد أبـــو حجلــة والدكتور مصطفى البشنــاق. (20/4/1950— 3/5/1951).
وانتخب عضواً في مجلس النواب الثالث (1/5/1951 – 22/6/1954)، وأصبح رئيساً لهذا المجلس. وخلال رئاسته أقسم الملك حسين- رحمه الله– اليميـــن الدستورية وتسلم منصبه ملكـاً علــى البلاد عام 1952.ثـــم عضواً في مجلس النواب الرابــع (17/10/1954 – 26/6/1956) والخامس (2/10/1956– 21/10/1961). وكان حكمت المصري رئيساً لهذا المجلس من (2/10/1956-16/10/1957) عندما أقيلت حكومة سليمان النابلسي وأعلنت الأحكام العرفية. قدم استقالته وخلفه الدكتور مصطفى خليفة. ووضع وهو رئيس المجلس رهن الإقامة الجبرية في منزله في نابلس لمدة تزيد عن 6 أشهر.
وأصبح عضواً في مجلس الأعيان لعدة مرات خلال الفترة 1/11/1963-31/10/1967 و 1/11/1967 – 1/11/1971 و 11/1/1984 – 11/1/1988.و 12/1/1988-13/8/1988 وكان نائباً لرئيس هذا المجلس، ولكنه أعفي من منصبه بعد قرار فك الارتباط الذي وقع في 30/7/1988، وكان عضواً في اللجنة المشكلة من مجلس الأمة للبحث في إنهاء ولاية الملك طلال والمناداة بولي عهده الأمير حسين بن طلال ملكاً دستورياً على البلاد وذلك في 11/8/1952، كما كان وزيراً للزراعة في أول حكومة في عهد الملك حسين برئاسة فوزي الملقي خلال الفترة من 15/5/1953-2/5/1954.
واعتماداً على خلفيته القومية والتقدمية، بادر مع نفر من الزملاء لتأسيس الحزب الوطني الاشتراكي في 7/6/1954، وضمت الهيئة التأسيسية إضافة إلى سليمان النابلسي زميله في الدراسة الجامعية ورفيق دربه كلا من، هزاع المجالي، عبد الحليم النمر، أنور الخطيب، شفيق إرشيدات، كمال منكو، جريس هلسة، سعيد العزة، ورشاد الخطيب، وتصدر الحزب حركة المد القومي في الأردن وأصبح محور الحياة والنشاط السياسي فيه، وحصل على الأغلبية البرلمانية في البرلمان الخامس في شهر اكتوبر 1956 وكلف الملك حسين سليمان النابلسي بتأليف أول حكومة حزبية معتمدة على أغلبية برلمانية، وانتخب حكمت رئيساً لمجلس النواب للمرة الثانية.
وتزامن نشاطه السياسي في الأطار الرسمي والشعبي لتنمية العلاقة الأردنية الفلسطينية ضمن الدولة الواحدة، مع جهوده في خلق منظمة التحرير الفلسطينية التي بدأ العمل على تأسيسها منتصف الستينات بمبادرة من السيد أحمد الشقيري، ونفر كريم من الشخصيات والفعاليات الفلسطينية والأردنية الفلسطينية. وأصبح عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني الأول الذي عقد في القدس في 28/5/1964، ونائباً لرئيسه. ومزج بحكمة وصدق ووطنية بين إيمانه بالدولة الأردنية الوحدوية وضرورتها، وبين التمهيد لإبراز الهوية الفلسطينية والعمل على تجميع الشعب الفلسطيني ولم شملهم في هيئة تمثيلية واحدة، ولم يكن هناك تناقض في ذهنه بين الأمرين، بل هناك تكامل، فالضفة الغربية تقع ضمن الدولة الأردنية الواحدة وضمن سيادتها، أما مهام منظمة التحرير فهي تحرير الأرض التي سلبتها إسرائيل من الفلسطينيين وإعادتها للسيادة العربية، ولم يكن يفكر في هذا الامر قطرياً بل وحدوياً قومياً.
ولا يتسع المجال هنا لسرد وعرض كل النشاطات والأفكار والتحركات والمواقف التي اتخذها حكمت المصري خلال هذه الحقبة من حياته، فهي كثيرة ومفصلية في حياته، وحياة الدولة الأردنية وواقع الوضع السياسي في فلسطين. انتقل أبو سميرإلى الحقبة الثالثة التي بدأت بالاحتلال الإسرائيلي لباقي فلسطين، الضفة الغربية وغزة عام 1967.وتداخلت المواقف وحياة أبي سمير كثيراً، وكان عليه التعامل بتوازن وحزم ووطنية وحكمة مع الثوابت التالية:
- أردنيتـــــه بحكم أن الضفة الغربية جزء من الدولة الأردنية وله مساهمات مؤثرة في وضعها هذا، وتولى مناصب رسمية فاعلة وعالية فيها.
- وفلسطينيته بحكم أن كل فلسطين أصبحت الآن تحت الاحتلال الإسرائيلي، الذي يعمل على إلغاء الهوية الوطنية الفلسطينية ويعمل جاهداً لاغتصاب الأرض وتغيير معالمها.
- وبين مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والعمل على إنهائه بأسرع وقت ممكن، حيث كان الجدل واسعاً والاختلاف كبيراً حول أفضل السبل لاسترجاع الأرض، هل يكون ذلك عبر الدولـة الأردنيـة المعترف بها دولياً بأن الضفة الغربية جزء منها، وهو الأمر الذي يتعامل معه قرار مجلس الأمن 242، والذي يعتبر حجر الزاوية في موضوع إنهاء الاحتلال الإسرائيلي؟ أم عبر إبراز الهوية الفلسطينية من خلال منظمة التحرير وتمثيلها لهم، حيث أن الجيوش العربية خذلت الفلسطينيين مرتين عام 1948 و1967 وأدى انهزامها إلى احتلال كامل التراب الفلسطيني؟ وما هي أفضل الطرق للتحرير المقاومة، المفاوضات السلمية، وعبر الشرعية الدولية من خلال الدول؟ أم مزيج من كل هذه الوسائل ؟
ودخل الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات والدول العربية في سجالات لا تنتهي وثبت أنه لا طائل منها، وحول هذه الأمور. وحدثت أيلول 1970 وحرب أكتوبر 1973 وقمة الرباط 1974 والاتفاق الأردني الفلسطيني في شباط 1985 وبداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987 وفك الارتباط القانوني والإداري عام 1988، وظهرت لكل من هذه الأحداث المفصلية تداعياتها على القضية الفلسطينية وعلى الوضع العربي بشكل عام، وعلى العلاقة الأردنية الفلسطينية وعلى منظمة التحرير بشكل خاص، وكان لها أيضاً تداعيات عميقة على مواقف ومسار حكمت المصري، وبقي طيلة هذه الحقبة يحاول إيجاد التوازن بين كل هذه العوامل والظروف والتناقضات والصراعات منطلقاً من مفاهيم ومبادىء عميقة وإيمان راسخ بفلسطين ووحدويته الأردنية وعروبته، واعياً تماماً لأهداف المشروع الصهيوني والدولة الإسرائيلية، وواعياً للظروف الدولية المواتية أحياناً وغير المواتية أحياناً كثيـرة، خصوصاً بعد إنهيار التضامن العربي والعمل العربي المشترك إثر احتلال الكويت، وانهيار الاتحاد السوفيتي وفك الارتباط بين الضفتين. لقد كان فك الارتباط القشة التي قصمت ظهر هذا السياسي القومي العريق الذي كان مؤمناً بقوة بأن دولة الوحدة الأردنية الفلسطينية هي حجر الزاوية في دولة الوحدة العربية الشاملة، وألقى كلمة في مجلس الأعيان الأردني تنم عن حسرة بالغة لهذا القرار وعن حكمة أبلغ حين قال: "أقف اليوم أمامكم وما زال صوت المناطق المحتلة الحزين والمتألم ينتقل من زاوية إلى أخرى في كافة أنحاء جسدي، وذلك الحزن الذي يزداد عمقاً مع إشراقة كل صباح ومع كل خطوة يخطوها مستوطن دخيل في غزة والخليل وبيت لحم وأريحـا ونابلس والقدس". فأسقط في يده، وخرج من مجلس الأعيان مع قرار فك الارتباط، وانتهت بهذا العلاقة الرسمية لحكمت المصري مع الدولة الأردنية.
في هذه الحقبة لابد من التنويه بفضله الكبير في المجال التربوي حيث كان المبادر في إنشاء جامعة النجاح ووفر لها كل الدعم الفلسطيني والعربي، المادي والبشري والتربوي والمعنوي، وأصبحت جامعة النجاح كما هي اليوم، معقلاً وطنياً ومعلماً تربوياً وصرحاً فلسطينياً، وبقي رئيساً لمجلس أمنائها منذ تأسيسها عام 1977 حتى وفاته عام 1994. وكرمته الجامعة بأن منحته درجة الدكتوراة الفخرية، وقد انتخب ابنه الأصغر صلاح رئيساً لمجلس الأمناء فيما بعد.
كما أنه ساهم، من خلال علاقاته الوثيقة مع جمال عبد الناصر والقيادات المصرية ومع الحكومات الأردنية، في التحاقالآف الطلاب الفلسطينين في الجامعات المصرية والأردنية والأجنبية، وقام بذلك على مدى أربعة عقود، وتذكر له الآف العائلات المنتشرة في فلسطين والأردن هذا الفضل.
ولا ننسى هنا جهوده في المجالات الاقتصادية والصناعية حيث تولى لفترة طويلة إدارة أحد أهم المشاريع الصناعية في منطقة نابلس، وهي شركة الزيوت النباتية، وللحقيقة، فإن تفرغ أخيه الأكبر الحاج نايف والحاج معزوز، وفيما بعد الشهيد ظافر للأعمال والعلاقات والمصالح التجارية، أفسح له المجال واسعاً كي يهتم بالشأن العام في الأردن وفي فلسطين.
توفي حكمت المصري في 13/12/1994 في مسقط رأسه عن 87 عاماً، وقد نعاه البلاط الهاشمي ورئيس دولة فلسطين ومجلس الوزراء والأعيان والنواب في الأردن، كما نعته العديد من المؤسسات والشخصيات من كافة أنحاء العالم العربي، وكانت جنازته معبرة عن سيرة حياة هذا الرجل السياسية والاقتصادية والتعليمية، وأعلنت جامعة النجاح، أم الجامعات في فلسطين، الحداد على مؤسسها وراعي مسيرتها، وأقامت له حفل تأبين جمع حشوداً كبيرة من أهالي نابلس وفلسطين، واحتشدت الشخصيات في حفل تأبين مهيب، وألقى الطيب عبد الرحيم ومندوب رئيس دولة فلسطين ياسر عرفات كلمة مؤثرة باسم السلطة الوطنية ورئيسها، وشارك وفد نيابي أردني كبير في هذا الحفل، وقد حضر هذا الوفد تعبيراً عن علاقات الأخوة الواحدة بين البلدين الشقيقين ووفاء لفضل حكمت المصري على دولة الوحدة بين الضفتين، وألقى وزير الثقافة الأردنية في حينه السيد سمير حباشنة كلمة جامعة معبرة عن كل هذه المعاني في حياة الفقيد الكبير، كما ألقى سفير مصر في إسرائيل في ذلك الحين السيد محمد بسيوني، كلمة دلت على مدى قوة ومتانة علاقات حكمت المصري مع المواقف العربية القومية ومع الزعماء العرب وخاصة مع القيادات المصرية.
لقد عاش حكمت المصري مؤمناً بشعبه وبأهل بلده وبعروبة فلسطين وبأمته العربية، وكان ملتصقاً بهم وبآمالهم وأحلامهم، عمل على حماية ما تبقى من فلسطين بعد عام 1948 بالالتحام مع دولة الوحدة، وبعد عام 1967 عمل على دعم صمودهم وتثبيت الناس في أرضهم، كان إيمانه العميق بأن الحل يكمن في البقاء على الأرض، والتشبث بها مهما حصل. وكان يؤمن أن الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج هو واحد لا يتجزأ. وكان يحلم له بالحرية والاستقلال.
ومنذ أن دخلت معتــرك الحياة العامة عام 1973، استلهمت من مسيرة عمي أبي سمير الكثير الكثير، فقد واكبت مسيرته السياسية والاجتماعية وتعرفت على أفكاره ومفاهميه ومدى عمق إيمانه بهويته وعروبته ووطنه الصغير والكبير وأعترف بفضله علي.
هذا هو الرجل الذي نتحدث عنه هذا المساء، والذي افتقدناه وانتهت بوفاته حقبة هامة من رجال الرعيل الأول في نابلس وفلسطين، فله منا الدعاء للعلي القدير بالرحمة.
محطات في حياة حكت المصري:
- عضواَ في مجلس النواب الثاني من 20/4/1950 – 3/5/1951 وقد حل المجلس لاعتراضه على الموازنة الحكومية لعام 1951 ولانعدام التعاون بين المجلس والسلطة التنفيذية.
- عضواَ في مجلس النواب الثالث من 1/9/1951 – 22/6/1954 وقد تعاقب على رئاسة المجلس عبد الله الكليب، حكمت المصري وعبد الحليم النمر.
- خلال رئاسة حكمت لهذا المجلس، عام 1952، أقسم الملك حسين اليمين الدستورية وتسلم منصبه كملك على البلاد.
- عضواً في مجلس النواب الرابع من 17/10/1954 – 26/6/1956 وقد حل هذا المجلس.
- في مجلس النواب الخامس من 2/10/1956 – 21/10/1961 كان حكمت رئيساً لهذا المجلس حتـــى قدم استقالته في 16/10/1957 إثر إقالة حكومة سليمان النابلسي وإعلان الأحكام العرفية، وتولىّ رئاسة المجلس للمدة المتبقية الدكتور مصطفى خليفة.
- انتخب في المجلس الوطني الفلسطيني الأول الذي عقد في القدس بتاريخ 28/5/1964 نائباً أول لرئيس المجلس السيد أحمد الشقيري.
- أصبح وزيراً للزراعة بتاريخ 5/5/1953 في أول حكومة في عهد جلالة الملك الحسين رحمه الله والتي شكلها فوزي الملقي.
في هذه الوزارة أصدرت الحكومة قراراً بتشكيل الأحزاب السياسية في الأردن فتشكل الحزب الوطني الإشتراكي برئاسة سليمان النابلسي وكان حكمت-وهو وزير-من المؤسسين لهذا الحزب.