Image
Image

ملتقى القدس/ اسطنبول

ألقيت هذه الكلمة في تركيا بتاريخ 15/11/2007، أثناء مشاركتي في إحدى المؤتمرات الإسلامية بحضور عدد كبير من رجال الدين والشخصيات، ولم أجد بين أوراقي من هم المنظمين

 

اسمحوا لي بداية أن أبارك هذا الجمع الكريم الذي يمثل العالم الإسلامي مما يعني أن قضية القدس تهم العالم الإسلامي على امتداد رقعته من أندونيسيا في الشرق إلى الأطلسي في الغرب، ولعل هذا المؤتمر يؤشر بضخامة فعالياته وبرامجه وحسن تنظيمه على أهمية قضية القدس ومحوريتها في العالم الإسلامي، لأن القدس من القضايا التي تعد أساسية في الوعي الجمعي الإسلامي لما لها من خصوصية ثقافية وحضارية ودينية لدى الشعوب الإسلامية. وهنا أشكر بصفة خاصة الحكومة التركية وكل المؤسسات التركية التي جعلت هذا المؤتمر ممكناً ومؤثراً.

 

وأنا على يقين بأن هذا المؤتمر الدولي يمثل أرضية صلبة لتحديد الهدف وبناء استراتيجية توافقية وإجراءات عملية  بين المجتمعين تأخذ على عاتقها الحفاظ علـــى الثوابت التاريخية لقضية القدس، والتي حاول الإسرائيليون وحلفاؤهم على مدى  خمسة عقود وأكثر اختراقها وتشويهها، والمنتظر من هذا المؤتمر المبارك أن يخرج بخطة عمل طموحة ذات بعد موضوعي لمجابهة المخاطر والتحديات التي تعرضت لها المدينة والتي تزداد يوما بعد يوم، فالمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقنا تتمثل بقدرتنا على الحفاظ على أصالة المدينة وموروثها الحضاري العربي والإسلامي بما يقطع الطريق على العابثين والطامعين لطمس هوية المدينة النابضة بالعروبة والإسلام على مدى أكثر من خمسة آلاف عام.

 

واسمحوا لي في هذا السياق أن أنوه إلى بعض ما يمكن أن يتبناه هذا المؤتمر الهام من خطط واستراتيجيات تنسجم مع الاهداف الرئيسة لنا جميعا، لضمان تحقيق البنود التالية:

 

  • التمويـل اللازم والكافي للحفاظ على صمود الأهل في القدس ودعمهم مادياً وسياسياً، ويتطلب ذلك عملية بناء واسعة وعملية ترميم أوسع لكل المرافق السكنية والحياتية لسكان القدس، ويأتي في المقدمة المقدسات الإسلامية والمسيحية، منوها ومشيداً بالجهود الجبارة والمشكورة في هذا الاتجاه سواء أكانت من مصادر حكومية أو أهلية، ولكن الهجمة الواسعة على تهويد القدس تحتاج إلى المزيد من التمويل المبرمج.

 

  • لا بد أن نلتفت بشكل أكبر ورؤية أوسع الى للجانب القانوني في التعاطي مع قضية القدس بوصفها قلب قضية فلسطين، فالأدبيات القانونية الدولية قاطبة تثبت بطلان الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وتنقــض الإجراءات الإسرائيلية انطلاقاً من قــرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة واتفاقيات جنيف وغيــرها، إن قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 2004 حول جدار الفصل العنصري لهو قرار مفصلي في هذا النطاق، ويعد انتصاراً تاريخياً ودعامة هامة للقضية الفلسطينية وللقدس، فقد اعتبر قرار المحكمة جدار الفصل غير شرعي ويجب إزالته، كما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار المحكمة هذا باتخاذها قراراً بهذا المعنى بأغلبية (150) صوتاً وامتناع (10) أعضاء عن التصويت واعتراض (6) أعضاء فقط. وطالب القرار إسرائيل باحترام قرار المحكمة وتنفذه، وفي هذا السياق أيضاً لا بد من التذكير بأن القدس موضوعة على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر لدى اليونيسكو، وهذا أيضاً يجب أن يأخذ حظه من الأهمية لدى المجتمع العربيبشقيه الرسمي والأهلي، وأيضاً في هــذا المؤتمر وللأسف فإن الأطراف العربية كافة لم تعط هذا القرار الاهتمام الكافي، ويجب علينا في مؤتمرنا هذا أن نضعه في الأولوية التي يستحقها.

 

  • رفض الأمر الواقع الذي تعمل إسرائيل على ترسيخه من خلال بناء الأحياء السكنية حول القدس وتطويقها بالكامل لعزلها عن باقي الضفة الغربية، من خلال بناء جدار الفصل العنصري، إنه وصمة عار في جبين كل الساكتين عنه بما يعنيه من عنصرية وإذلال، والـــواقع على الارض محزن للغاية، فإلى جانب عشرات البؤر الاستيطانية في القدس الشرقية، هناك عشرات الحواجز العسكرية والجدران الاسمنتية الفاصلة والأسلاك الشائكة، ناهيك عن الواقع الديموغرافي الأليم، إذ أن مساحة 4% المتبقية عملياً من مساحة القدس الشرقية هي التي يعيش فيها حالياً حوالي (230) ألف عربي فلسطيني، والحصول على رخصة بناء بيت هي بمثابة حلم للمقدسيين.

 

لقد أسست إسرائيل وفقاً لسياسة التهويد إتجاهاً من شأنه أن يحسم مستقبل المدينـة ويخرجها عملياً من دائرة التفاوض المرتقب بخلق هذا الأمر الواقــع على الأرض، فإذا ما طرحت قضية المدينة للتفاوض، سيقتصر الحديث على إدارة المقدسات فقط، وهنا مكمن الخطورة، أن يتم اختزال قضية القدس بالحديث عن المقدسات وإدارتها وحق السيادة عليها وبذلك يتمطمس فكرة كون القدس العربية جزءًا من أرض عربية محتلة.

 

إن أحرزنا النجاح في هذا المؤتمر، فإنه نجاح للقدس ولعروبتها وهويتها الدينية والحضارية الأصيلة، وهو نجاح يسجل أيضاَ لمؤسسة القدس الدولية، وكل المؤسسات المتعاونة معها، وإلى رئيس وأعضاء اللجنة التحضيرية للملتقى، وأنا على يقين بأن هذا الملتقى لن يرضى بأن تكون قضية القدس مجرد صراع بين الفلسطينين والإسرائيلين فقط، بل يؤكد أنها قضية عربية إسلامية إطارها الصراع الحضاري والغزو الاستعماري الاستيطاني.

 

لقد اعتمد الاسرائيليون على سياسة تفريغ الارض من سكانها العرب مسلمين ومسيحيين من خلال سياسة مصادرة الاراضي بشكل تعسفي وأحيانا بحجة ما يسمى بقانون أملاك الغائبين، وانتهاج سياسة تضييق الخناق على ممارسة العبادات والشعائر الدينية لا سيما حرمان المسلمين من شد الرحال الى  المسجد الأقصى خاصة في شهر رمضان المبارك وحرمان المسيحيين من التوجه للكنائس لاسيما في أعياد الميلاد، إن إسرائيل تخطط لجعل القدس مدينة يهودية خالصة دون العرب، مسلمين كانو أو مسيحيين.

 

إن من الاهمية بمكان أن نؤكد أن القدس العربية، الأسلامية والمسيحية هي التي نصر على أن تبقى ليس فقط في الوجدان الجمعي الإسلامي والعربي، بل من المهم بدرجة أكبر أن تكون حاضرة في الخطاب السياسي العربي الإسلامي وعلى رأس أجندة السياسة الخارجية، كعاصمة لدولة فلسطين، وغير قابلة للتقسيم والتجزئة على أسس دينية أو اثنية، فالإسرائيليون يحاولون باستمرار تسويق فكرة أن القدس الموحدة كما أقرتها الكنيست عام 1980 هي عاصمتهم الأبدية، لكن هذه الفكرة لم تلق على المستوى الدولي الترحيب لأنها ببساطة تتهافت أمام القانون الدولي والشرائع الدولية التي مازالت تنظر لمدينة القدس الشرقية على أنها مدينة عربية محتلة يفترض أن يتم تحريرها واعادتها للسيادة العربية.

 

في الختام، اسمحوا لي أن أذكر بأن علينا أن نقول بصوت عال ومسموع، إن قضية القدس يفترض أن تكون ضمن قضايا الحل النهائي وأن لايتم تجاهلها بحجج واهية حتى نفوت على إسرائيل ابتلاع ما تبقى منها من خلال سياسة المماطلة وكسب الوقت، كما أننا نؤكد بما لايدع مجالا للشك بأن القدس العربية هي عاصمة الدولة الفلسطينية والرمزالأكثر قداسة للعرب والمسلمين وأننا لا نقبل بحال أي بقعة عاصمة للدولة الفلسطينية مستندين للشرعية التاريخية والقانونية التي يقرها العالم باسره.

 

كذلك من المهم التأكيد على القيمة الاستثنائية للمقدسات الإسلامية والمسيحية للمدينة الأقدس بالنسبة للعرب والمسلمين وأن العبث والمساس بها لن يكون في صالح أحد.

 

ويتحتم على المؤسسات العاملة لأجل القدس من هيئات وجمعيات مدنية وتطوعية على امتداد رقعة العالم الإسلامي، أن تأخذ دورها ليس فقط في تبني الشعارات، بل بالعمل الدؤوب الذي قد يحصد ثمرة التحرك الجاد نحو إحقاق العدالة التي باتت لاتنال بالتمنيات والعواطف، وأن تتضافر جهود هذا التجمع المبارك مع كافة الجهود الرسمية والأهلية الأخرى ليخرج بصيغة توافقية تركز على الثوابت وتعلق الجرس للحكومات العربية والاسلامية لتأخذ دورها ومسؤوليتها انطلاقا من الواجب الأخلاقي والمسؤولية الدينية والرسالة التاريخية لأمتنا العظيمة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

Term of use | Privacy Policy | Disclaimer | Accessibility Help | RSS

eMail: info@tahermasri.com Tel: 00962 65900000

Copyright @ 2015 Taher AlMasri the official web site, All Right Reserved

Image