Image
Image

خطاب في القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية

ألقي هذا الخطاب بدولة الكويت بتاريخ 17/1/2009 بصفتي المفوض العربي لمؤسسات المجتمع المدني لدى جامعة الدول العربية

 

اسمحوا لي أن أتقدم بالشكر الجزيل لدولة الكويت، حكومةً وشعباً، على استضافتها هذه القمة، وعلى حفاوة الاستقبال الذي قوبلنا به. والشكر موصول للجهود التي بذلتها الأمانة العامة بجامعة الدول العربية لإنجاح انطلاقة هذا المؤتمر، وإلى المنسقة العامة للقمة على جهودها.

 

تنعقد القمة الاقتصادية والتنموية الاجتماعية فيما يعاني وطننا العربي من أوقات عصيبة، متشحة بالسواد، ومشحونة بالتوتر السياسي، جراء العدوان الإسرائيلي الصهيوني على قطاع غزة وأهلنا الصامدين. ونحن إذ نحتسب عند الله شهداءنا الأبرار، فإننا ندعو للجرحى بالشفاء العاجل، وأن تلتئم جروح هذا القطاع العظيم وأن يهنأ بالأمن والاستقرار.

 

إن ما يعانيه قطاع غزة من عدوان مدمر ومستمر على المدنيين، يعتبر من جرائم الحرب والإبادة الجماعية.وقد شمل هذا القصف العشوائي بالإضافة إلى الإنسان الأعزل، البنى التحتية؛ من مدارس ومستشفيات وصرف صحي ومحطات تنقية مياه وتوليد كهرباء ومساكن الناس. وحتى المؤسسات الدولية ومرافقها لم تسلم جراء هذا العدوان. وهو الأمر الذي يدعونا إلى الطلب من هذه القمة إيلاء الدعم الذي يمليه عليه ضميرنا والواجب لهذا القطاع الذي يعيش معاناة لم يسجلها التاريخ من قبل. وهي دعوة لتخصيص جزء مهم من هذه القمة لبحث آثار العدوان على غزة، وتقديم الدعم والعون اللازمين.

 

أيضا، تنعقد هذه القمة في ظروف التوتر الاقتصادي، بسبب الأزمة العقارية والمالية التي عصفت بالعالم، وتأثيرها المدوي على شعوبنا العربية، والاقتصاد الرسمي والخاص في الدول العربية.

 

إن ما جرى في العالم مؤخرا، وما واجهه من أزمة مالية اقتصادية خانقة، يقوي النظرية بأن الدولة يجب ألا تتراجع عن دورها ومسؤولياتها الاجتماعية تجاه المجتمع ومواطنيها، والمجتمع المدني هو القناة الصحيحة لحكومات الدول لتلبية هذه الحاجات.

 

إن المجتمع المدني العربي، والذي يعتبر عنصرا أساسيا في منظومة العمل العربي المشترك، مدعوٌ أكثر من ذي قبل للقيام بمبادرات وجهود نحو توحيد طاقاته، ودعم ذلك التنوع القائم، ومطلوب أيضاً أن تكون رؤيته ورسالته واضحتين، وأن يمتلك خطة عمل على المستوى العربي، تحدد ما تريد إحداثه من تغيير يخدم التنمية للمواطن العربي. وهنا يكمن دور مفوضية المجتمع المدني العربي بجامعة الدول العربية في دعم وتشجيع هذه المبادرات.

 

ومطلوب من الحكومات العربية إشراك ومشاركة المجتمع المدني ومنظماته في صنع القرار، وهذا يتفق وتعزيز الشبكات القطاعية، لتستطيع أن تؤدي دورا إقليميا مؤثرا وفاعلا، خاصة وأن المجتمع المدني متواجد وموزع على كل أطراف وزوايا الوطن العربي، ونحن اليوم في أشد الحاجة إلى مثل هذا التوحد.

 

إن صيغة التكامل ما بين القطاعات المتخصصة لمؤسسات المجتمع المدني، هي الأنسب، أو لربما التشبيك فيما بينها، للوصول إلى تحقيق مصالح المواطن العربي الفضلى. ولكي تكون مؤثرا وفاعلا، يجب أن تكون قويا. وأن تكون قويا، يعني وجوب أن تتحد وأن تكون مستعدا. فذلك يعطي تأثيره الفعال على المستويين الإقليمي والدولي.

 

كما أن تفعيل قاعدة العمل التكاملي تسمح للمجتمع المدني بأخذ دور كبير من خلال المشاريع المطروحة في هذه القمة، والمتعلقة بمنطقة التجارة الحرة، والاتحاد الجمركي، والسوق العربيـــة المشتركة، ومواضيع النقل والاتصالات، والتعليم والصحة، والبطالة والفقر، والأمن المائي، والأمن الغذائي والتكنولوجيا والبحث العلمي، والمناخ، بالإضافة إلى الأزمة المالية التي عصفت بنا.

 

لا شك في أن هذه المشاريع مع غيرها، تشكل حجر الزاوية لعملية الإصلاح والتغيير الواجب أن يتم لتحقيق تنمية حقيقة شاملة في المنطقة العربية، ولا وقت للوم طرف ضد آخر.فإذا كنا جادين في العمل باتجاه تحقيق معايير تنموية تخدم المواطن العربي، وتنقله نقلة نوعية لحياة أكثر أمنا واستقرارا، وحياة صحية وغذاء متوازن وتعليم يخدم التنمية، فإن الحل يكمن في العمل بجد ومهنية عالية تحت سيادة القانون، على قاعدة "عدالة ومساواة ورفاه" .ومطلوب من القطاعين الرسمي والأهلي فتح آفاق التعاون مع الشريك الذي يوفر عليهما حمل أعباء تحتاج للمساعدة، وهو المجتمع المدني العربي.

 

وبرأينا، فاننا نستطيع دعم عمل المجتمع المدني العربي من خلال أكثر من مجال، مع التأكيد على ما يلي:

أولاً: يجب عدم إغفال الدور الوطني للمجتمع المدني العربي، والذي كان موجودا حين غابت الدولة في عدد من الحالات، وقد أدى دورا نضاليا في مقارعة الاحتلال في المناطق المحتلة في الوطن العربي، كما أدى دوراً سياسيا، واقتصاديا تنمويا، واجتماعيا إغاثيا، وأحداث غزة تثبت لنا ذلك. هذا عدا عن دوره في نشر مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومأسستها، كما دوره في عملية الإصلاح والتحديث.

 

ثانياً: إن المجتمع المدني شريك على قدم المساواة في عملية التنمية على المستويين القُطري والعربي. وهو من النسيج الوطني لكل قُطر، وله إسهاماته المهمة في المنطقة العربية، وقد اعترفت القمـم العربية الثلاثة الأخيرة بدوره التنموي وأهمية دعمه؛ فلا يجب تهميش دوره أو إغفاله. وهو بذلك يستحق كل دعم ومساندة من قبل المؤسسات الرسمية والخاصة، ومن الإعلام، بهدف تمكينه من أداء أفضل وأوسع، وعلى مستوى نوعي في مختلف مناحي الحياة؛ كونه يعمل على أساس مهني، باعتماد الشفافية والنزاهة، ومن خلال تعزيز النهج الديمقراطي وحقوق الإنسان وأدوات الحكم العادل.

 

ثالثاً: إن الوحدة في التنوع يعزز الأداء، ويخدم الجميع، على قاعدة أن الاختلاف يخدم القضية. ولذلك، فإن هناك حاجة ماسة لتأمين قاعدة بيانات عربية لهذا الجسم الكبير، بما يساهم في جعل المجتمع المدني متناغما متعاونا مع بعضه البعض، ويحقق طموحات المواطن العربي في تحقيق التواصل السهل ما بين مختلف أعضاء هذا القطاع، ويؤدي إلى تلافي الازدواجية في العمل والتخصص القطاعي، كما يؤدي الى تحقيق لغة مشتركة في المحافل العربية والدولية.

 

رابعاً: إن تمتع هذا القطاع بأهلية التمويل، من دون ارتهان للأجنبي، تساعده على حرية الحركة في اختيار برامجه، بتنوع يخدم حاجات المواطن وقضاياه التنموية وبأجندة عربية، تعتبر من أهم الأولويات التي يجب أن نتعامل معها، بدلا من اعتماد القطاع على التمويل الأجنبي.

ومن هذا المنطلق، فإننا دعونا في "المفوضية"، وفي أكثر من مناسبة، إلى تأسيس صندوق عربي لدعم بـــرامج مؤسسات المجتمع المدني العربي، وطرقنا بحث آلية استدامة دعم هذا الصندوق بإقتطاعات ورسوم، أو من خلال الصناديق العربية المتوفرة حاليا.

 

خامساً: أهمية الشراكة والتكامل ما بين القطاع العام والمجتمع المدني، بتوزيع الأدوار والاتفاق عليها، وأن تتوافر الموارد لذلك. إن مشاركة المجتمع المدني في الحياة العامة هو الجديد المتجدد، وهي تشكل التوأؤم مع القطاع الرسمي والخاص. وإن العلاقة تكاملية ما بين التنمية السياسية والتنمية الاجتماعية والاقتصـــادية. إلا أن أهمية تحديد الأدوار يساهم في الوصول إلى علاقة تشاركية، تقود إلى تكاملية العلاقة، لأن الهدف المشترك هو بناء مجتمعات ديمقراطية توفر الأمن والأمان الاجتماعيين، لتحقيق التنمية الشاملة، وصولا إلى حياة فضلي للمواطن العربي على قاعدة البناء المؤسسي للديمقراطية وحقوق الإنسان. إن الوصول إلى حالة التكامل ما بين القطاع الحكومي والمجتمع المدني بصورة فعالة، يسرّع الوصول إلى تحقيق الرؤية المشتركة في بناء مفهوم تنموي يخدم الدولة والمواطن.

 

سادساً: دعم البناء المؤسسي لشبكات مؤسسات المجتمع المدني العربي، من خلال توحيد الجهود نحو أداء احترافي على المستوى القطاعي لعمل المجتمع المدني.

 

سابعاً: أهمية تعديل العديد من التشريعات العربية لتتناسب ودور المجتمع المدني كشريك في العملية التنموية، وأيضاً لتتناسب مع الدور الطليعي الذي يلعبه المجتمع المدني في العالم.

 

ثامناً: المباشرة في إجراء إصلاحات تضمن العدالة والمساواة بين المواطنين، على قاعدة الشفافية والنزاهة الأخلاقية والمساءلة وحكم القانون.

 

كلنا ندرك جيداً أن الشعب مصدر السلطات؛ ينتخب سلطته التشريعية، التي تعزز بدورها الاستقلال القضائي كأحد أدوات العدالة وتطبيق سيادة دولة القانون. فيما تخضع السلطة التنفيذية للمساءلة والرقابة على الأداء، بما يخدم مصالح العامة.

 

وكلنا ندرك جيداً أن هذه حقوق تعمل عليها بجد مؤسسات المجتمع المدني، ومن هنا تأتي أهمية التركيز على العلاقة التشاركية التحاورية ما بين جميع شركاء التنمية من قطاع رسمي وخاص ومجتمع مدني، لتحقيق العدالة في توزيع مكتسبات التنمية.

 

أملنا في هذين اليومين أن نجد ونجتهد في إيجاد تقاطعات وتشابكات تقود إلى التكامل في العمل ما بين المجتمع المدني والقطاعين الرسمي والخاص، وأن يكون الإعلام الأداة الرقابية التي تحافظ على توازن هذه العلاقة. وكذلك أن نعمل بأقصى طاقاتنا بهدف الاستفادة من قرارات هذه القمة، التي نأمل أن يلمس نتائجها المواطن العربي في حياته ومعيشته.

 

 

Term of use | Privacy Policy | Disclaimer | Accessibility Help | RSS

eMail: info@tahermasri.com Tel: 00962 65900000

Copyright @ 2015 Taher AlMasri the official web site, All Right Reserved

Image