العقد الأردني لحقوق المواطنة وواجباتها
ألقيــــــت هذه الكلمة بصفتي رئيس مجلس الاعيان باحتفال خاص فـــي قصـــــر الثقافـــة بتاريــــخ 3-12-2012
من حيث المبدأ أتفق مع كل ما جاء في هذا العقد، فهو يشمل كل المبادئ والحقوق والثوابت التي نص عليها الدستور الأردني من جهة، والمواثيق الدولية المتصلة بها من جهة ثانية، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهي مبادئ وحقوق تنخرط فيها الدولة الأردنية منذ عقود من الزمن.
ملاحظاتـــي لا تنصب على ما ورد في "العقـد" من نصوص، بل على ما لم يرد فيه، بشأن مدى التزام الدولة بكافة مؤسساتها وشخوصها بتطبيق هذه المبادئ والنصوص. وهنا أعتقد أن ما لدينا كدولة وكمجتمع من نصوص مكتوبة (الدستور والتشريعات الصادرة بمقتضاه)، وإرث اجتماعي يتعلق بالعادات والتقاليد، يغطي ذلك بصورة جيدة، إلا ان المشكلة في تقديري هي في التطبيقلممارسة العملية وفي مدى التقيد بهذه الثوابت المهمة، وفي التبرير المنغلق أو الضيق لفهمها في كثير من الأحيان، وخلال العقود الأولى لقيام الدولة، كانت منهجية التطبيق والالتزام بهذه النصوص وهذا الإرث، أكثر عمقاً ودقة، ودستور عام 1952 وثبات السياسات والمواقع الرسمية الرئيسية آنذاك شاهد حي على ذلك.
واسمحوا لي أن أعطي أمثلة في هذا المجال:
- تـــرأس المجلس القضائي خلال (50) عاماً ثلاثة رؤساء هم، علي مسمار ومـــوسى الساكت، ونجيب الرشدان. ومنذ (15) عاما فقط ترأس نفس المجلس ما لا يقل عن (15) قاضياً، وهنا لابد من أن يتضمن العقد اهتماماً أكثر بالقضاء ومبدأ استقلاليته، وعدم العبث به، ودعم نزاهته وتوفير الأسباب والظروف لتجسيد هذه النزاهة، كما يجب البت في مفهوم القضاء العسكري واستقلاليته هو الآخر.
- الملكية الخاصة وطريقة التعامل معها في القوانين وفي سلوكيات المجتمع مستقرة ومعروفة ومعرفة منذ قرون. وكانت توضع الضمانات المجتمعيـة والقانونية حتى لا يتم الاعتداء على الملكية الخاصة والعقارات، وهذا أدى إلى توفر الأمان والقناعة بقدسية هذه الملكية، إلا ان الأمر الواضح انه ومنذ سنوات، بدأت تلك المبادئ تختل، وأصبحنا نلحظ اعتداءات على الملكية الخاصة من قبل جهات حكومية، ولقد أثارت استملاكات أمانة عمان الكبرى مثلاً، وغيرها، مخاوف حقيقية على هذا الحق الثابت والمثبت في القوانين والأعراف والتقاليد منذ قرون.
- انتقــل هذا الوباء إلى حق آخر من حقوق الإنسان، وهـــو حق المواطنة. وأصبح هذا الحق خاضعاً لأشد الانتهاكات الواضحة والصريحة، وبخاصة في ظل الاجتهادات بتطبيق تعليمات فك الارتبــاط، إلى جانب أفكار أخــرى مسمومة يجري الترويج لها كثيرا ومنها مقولة (الوطن البديل).
- لقد تراجعت بشكل عام بعض القوانين المتعلقة بالحريات، ومنها قانون المطبوعات والنشر والجمعيات وزادت القيود في تلك القوانين.
لقــــد أدى انتهاك هذه المبادئ إلى بـــــروز تفسير ضيق لبعض النصوص القانونية، وجرى تقديم مسوغات لا تتناسب مع النص أو الروح، وقد فُهمت التعليمات الواردة في بعض مواد الدستور مثل :"تحدد بقانون أو وفق أحكام القانون" فهما خاطئا في بعض الأحيان، مما أدى إلى انتهاك القواعد العامة والمفاهيم الواردة في الدستور، عبر منهجية تطبيق القوانين، ولذلك فقد اقترحت أن يوضع في الدستور نصٌ يشير إلى ذلك، وقد تضمنته المادة (128/1) والتي تنص على :"لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والواجبات، على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها".
خلاصــة القول أنه لا يكفي أن توضع المبادئ والنصوص في صياغات صحيحة وجيدة، فبرغـــم أهمية الأمر، إلا أن اكتمال المشهد بصورته الصحيحة التي تخدم الصالح العام، يتطلـــب توفر الإرادة السياسية للدولة وللمجتمع المدني لتبني هذه المفاهيم وتطبيقها بالشكل الصحيح، فالأمران يكمل كل منهما الآخر، ولا فائدة للنص المحكم إن لم يقترن بتطبيق عملي سليم محكم، وفي السياق ذاته، فلا بد من أن يــــواكب ذلك بناء المؤسسات الرسمية والأهلية التي تراقب هذا التطبيق وتتابع أية انحرافات أو تجاوزات فيه.إن"تغول" السلطة التنفيذية أحيانا، وتمكنها من التأثير على قناعات رجال الدولة كلٍ في موقعه، هو في تقديري أحد أسباب الابتعاد عن التطبيق السليم لتلك القواعد، وكذلك فإن الهاجس الأمني وزيادة نفوذ الأجهزة الأمنية له هو الآخر، أثره المغاير في كثير من القرارات والتوجهات تبعاً لهذا الهاجس. فالاعتبار الأمني يعلو في أحيان كثيرة، على القواعد والأسس الصحيحة في التطبيق.
المطلوب إذن، هو وضع نصوص في هذا العقد تشير بوضوح إلى ضرورة التقيد التام به، والعمل على تطبيقــه نصاً وروحـاً، ففي وقت يجتاز العالم فيه عتبـات القرن الحادي والعشرين، عبر ثورة معلوماتية هائلة ومتسارعة جدا، يغدو من الضرورة والأهمية بمكان، أن نؤمن تماماً بأن المواثيق والعهود والأعراف الناشئة بما في ذلك الدساتير والقوانين، لم تعد مجرد نصوص مكتوبة وحسب، وإنما هــي روح ومعنى، أكثر منها كلمات جامدة وحروف صماء، وأن عملية التطبيق الأمين لها نصاً وروحاً معاً، هي المعيار لمدى استلهام من يطبقونها، لهذه الروح وهذا المعنى !.