Image
Image

وصفي التل: أردنياً وعربياً

ألقيت هذه الكلمة بدعوة كريمة من ديوان آل حجازي للحديث عن الشهيد وفي ذكرى استشهاده الثالثة والاربعين في اربد بتاريخ 6/12/2014

 

الشهيد وصفي التل، واحد من قادة سياسيين كبار، فرضوا حضورهم في الذهنية العامة لشعــوبهم بعد رحيلهم. ولهذا بالطبع مبرراته التي شكلتها شخصيات أولئك القادة السياسيين خلال حياتهم، وهي مبررات ترتبط طبيعياً، بالظروف التي تولوا فيها مراكز العمل العام من جهة، وبقدراتهم في التحليل مع تلك الظروف، من جهة ثانية.

كانت شخصية الشهيد وصفي التل، تجمع بين مسارين متلازمين لا تناقض بينهما، فهو -رحمه الله-قومي عربي انخرط في القضية العربية عموماً، والقضية الفلسطينية بشكل خاص، وفق رؤية قومية واضحة، وهو وطني أردني، يؤمن بحتمية أن يكون الوطن القومي، هو المرحلة الاولى نحو العمل القومي العروبي كذلك.

 

كان الشهيد وصفي التل واضحاً تماماً في قناعاته ومنطلقاته السياسية، ولا يتردد في إعلانها على الملأ، لشدة إيمانه بها، ولهذا فقد شكل ذلك مصدر خلاف له مع آخرين كانت لهم رؤاهم الخاصة بهم.

 

انطلقت رؤيـــة الشهيد وصفي التل للمشهد العربي عموماً، والاردني خصوصاً، من العناية بالأرض والإنسان، وبناء القاعدة الوطنية الراسخة والقوية المستندة إلى مبدأ التواصل المباشر والمستمر مع جمهور الموطنين، وحثهم على العمل والاعتناء بالارض والزراعة، وصولاً إلى الاكتفاء، وعدم الاعتماد على المساعدات الخارجية، فقد كان لديه تصور واثق بأن الأردن قادر على بناء ذاته بقوة اعتمـــاداً على إنسانه وموارده. وبالتالي يصبح قادراً على الوقوف مع قضايا الأمة، وبالذات، القضية الفلسطينية، والتي كانت تسمى آنذاك، قضية فلسطين بكل أسباب الدعم والإسناد.

 

تشكلت شخصــــية الشهيد وصفي التل، من مزيج يجمع بين العسكرية المنظمة، والمقاومة الشعبية الجهادية، والعمل السياسي، وحب الأرض، ولهذا فهي شخصية جامعة طبعت حياته كلها، بالثقة المطلقة بالذات. فقد التحق بجيش الإنقاذ، وبالمقاومة الشعبية، ومارس الزراعة على أصولها وشغل مناصب عديدة أبرزها، رئيساً للوزراء.

لـــم يكن الشهيد وصفي التل قطرياً منغلقاً، بل كان وطنياً مخلصاً، ولم يكن منحازاً للعروبة متعصباً، بل كان قومياً مخلصاً كذلك. وكان واقعياً في كل الأحوال.

 

كانـــت له رؤيته بشأن العمل الفدائي آنذاك. أراده عملاً مستقلاً لا شأن لــــه بالشؤون الداخلية للدول، سواء في الأردن أو غيره، لكن الأمور سارت على غير ما أراده، وصارت الفوضى هي الطابع السائد، ولهذا كان له رأيه الصريح والواضح في هذا الشأن.

 

كان الشهــيد يــؤمن بالعمل العربي الجماعي لتحرير فلسطين، وله تصوره المعلن على هذا الصعيد. وكان من أشد المعارضين لدخول الأردن حرباً غير متكافئة القوة عام 1967، ولقد حذر بصدق آنذاك من أن دخول الأردن تلك الحرب، ستكون سبباً في احتلال الضفة الغربية والقدس، وهكذا كان، فلقد دخل الأردن الحرب بكامل قوته، كي لا يحمله العرب مسؤولية الهزيمة إن هو أحجم عن دخول الحرب، وهي تهمة كانت جاهزة سلفاً في ذلك الزمان العربي غير المنسق والمليء بالخلافات والمشاحنات.

 

بعد حرب عام 1967، كانت رؤية الشهيد وصفي التل، تقوم على مبدأ الإعداد والاستعداد لتحرير فلسطين، ولكن من خلال قوة عربية مشتركة قادرة على إنجاز المهمة، وحمل تصوره ذاك إلى اجتماع وزراء الدفاع العرب في القاهرة حيث استشهد هناك.

 

وبالمناسبة، لا بد من تأكيد حقيقة جرى تشويهها، وهي أن أحداث عام 1970 في الاردن، لم تكن حرباً أهلية أبداً كما قد يفهم البعض، وإنما كانت صداماً بين جيش يريد حماية السلطة الرسمية، وحركات فدائية مسلحة تداخلت فيها المهمات والممارسات، بصورة شكلت خطراً على الدولة وعلى النظام العام فيها.

 

ذكرى استشهاد المرحوم وصفي التل، هي في تقديري، مناسبة تدعونا جميعاً إلى استلهام العبر والدروس من تاريخنا العربي بعامة، وأول تلك العبر، هي حتمية توحيد صفنا الوطني وبقوة، حماية للوطن، وصوناً لوجوده، وتعظيمـــاً لقدراته في مواجهة المخاطر المحدقة، وأهمها في نظري، المخططات الإسرائيلية الرامية إلى إقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه كلياً. وتهويد القدس وسائــر فلسطين، وما مخطط الدولة القومية اليهودية، إلا البوابة الأوسع نحو هذا الخطر الكبير إلى جانب المخاطر المحيطة بنا من كل جانب... نعم، هذا يتطلب منا وبوضوح، الذهاب في الإصلاح الشامل إلى أبعد الحدود، سياسياُ واقتصادياً واجتماعياً، تحصيناً للمجتمع من كل المؤثرات، وإتاحة الفرص للجميع للمشاركة الفاعلة، على قواعد المواطنة والوطنية التي تكفل الحرية والعدالة والمساواة وسيادة الدستور والقانون وعلى الجميع.

 

مرة أخرى، لم يكن الشهيد وصفي التل رحمه الله قطرياً متقوقعاً على ذاته أبداً، وإنما كان وطنياً يؤمـــن بأن ممارسة العمــل القومي بوابتها الوطن القوي، وكان كذلك من أكثر المخلصين للقضية الفلسطينية، وحتمية تحرير فلسطين من أيدي غاصبيها، ولكن بجهود منظمة وطنياً وعربياً لا مكان فيها للارتجال أو أسلوب "الفزعة" البعيد عن الإعداد والاستعداد.

 

رحم الله الشهيد وصفي التل، وسائر شهداء الأمة ووفقنا الله جميعاً للدفاع عن الأردن العزيز في ظل قيادته الهاشمية، ورمزها جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، وأعاننا سبحانه على مواصلة الوفاء لفلسطين وقضيتها العادلة، ورفع الظلم عن أهلها الصابرين تحت سطوة المحتل وجرائمه المستمرة.

 

 

Term of use | Privacy Policy | Disclaimer | Accessibility Help | RSS

eMail: info@tahermasri.com Tel: 00962 65900000

Copyright @ 2015 Taher AlMasri the official web site, All Right Reserved

Image