Image
Image

مداخلة بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة

مداخلة في حوار دعا اليه مركز تعلم وعلم الابحاث والدراسات وبدعوة الدكتور أحمد ماضي وألقيت في منتدى شومان الثقافي بتاريخ 17/11/2014

 

يوصف الفلاسفة بأنهم الباحثون عن الحقيقة، في أدق تجلياتها، وهذا يتطلب بالضرورة، البحث المعمق والتدقيق في كل شي، وصولاً إلى الحقيقة. وبالطبع فإن في ذلك حكمـــة، ولهـــذا جــــاء تعبير الفلسفة. وهــي كلمة مشتقة من اللفظ اليوناني "فيلوسوفيا" ومعناها، حب الحكمة أو محبتها. وفي شريعتنا نحن المؤمنين، الحكمة ضالة المؤمن، وهي مدخل رزين للمعرفة، وللتدبير والتفكير في المظهر والجوهر على حد سواء، بهدف استخلاص المعرفة التي تجسد الحكمة.

 

من هُنا، يأخذُ علم الفلسفة أهميته القصوى في كل زمان ومكان. ليس لأنه علم ترفي كما قد يعتقد البعض، وإنما لأنه حاجةٌ إنسانيةٌ مهمةُ، وبالذات، في زمن التطور العلمي والتقني، أو عصر السرعة، حيث تغدو الحاجة أكثر أهمية إلى استلهام الحكمة وتحكيم العقل وتوظيفها في صنع القرار، وفي تحديد جوهر المسار، سواء أكان ذلك على مستوى الدول أو أي إطار عام أو خاص.

 

لقد عرف العالم الكثير من عمالقة الفلسفة عبر التاريخ، ومنهم أعلام عرب، ممن طوروا أساليب البحث عن الحقيقة والمعرفة، وغاصوا في تفكيرهم وتدبرهم للأمور ولموجودات هذا الكون، على شكل نظريات معرفية مفيدة، وأمعنوا إيجابياً في الإجابة عن كثير من الأسئلة المتصلة بالكون والوجود، ولهم بالطبع، فلسفتهم في هذا المجال، وهي ليست موضع نقاش في هذه الكلمة.

 

ويسجل للفلاسفة أو محبي الفلسفة، سعيهم إلى تحديد جوهر الحياة المُثلى من وجهة نظرهم، لكنهم اختلفوا قديماً بين الشرق والغرب، في استنباط هذا الجوهر، وهو اختلاف طبيعي مرده تباين أنماط التفكير بين بني البشر، وتمايزهم في مجال القدرات الذهنية.

 

صحيح أن الفلاسفة ندرة في هذا الزمان، وصحيح أن عصر السرعة الذي نعيش، لا يُولي اهتماماً كبيراً لهذا العلم الراسخ في جذور البشرية، لكن منطق الأمور يؤكد، أن الحكمة سبيل للسلامة، وتــــرسيخ لمبدأ المعرفة باعتبارها كنزاً لا ينضب، ولو حضرت الحكمة في كثير من مفاصل التاريخ وأحداثه، لكان عالمنا اليوم في حال أفضل، وغياب الحكمة الناتجة عن تفكير سليم معمق، يفضي إلى التخبط والفوضى وربما الهلاك.

شخصياً لا أجد تعارضاً بين الأديان والمنطلقات الفلسفية، خاصة إذا ما انطلق الفيلســـوف الباحث عن الحقيقة، من حقيقة أكبر وهي التسليم بوجود الله -سبحانه وتعالى-، وبأنه جلت قدرته، هو خالق هذا الكون ومدبر أمره، وبأن الحياة الدنيا إلى نهاية، وصولاً إلى الحياة الآخرة، حياة الخلود وفق مبدأ الحساب والثواب والعقاب، والإيمان الكامل بالأديان والرسل والكتب السماوية المنزلة. وفق هذا الثابت الكوني العظيم، يغدو التأمل والتفكير والتفكر في موجودات هذا الكون، حالة إيمانية حض عليها الإسلام العظيم، وجاء بها القرآن الكريم، فالتفكر في خلق الله عبادة، ومتطلب أساسي في حياة ووجود الإنسان المؤمن.

 

لست من أولئك المتعمقين أو المتخصصين في علم الفلسفة، لكنني أنظر إليه كعلم، وفق الثوابت الإيمانيـــة التي أشرت إليها، ومن المؤكد أن ما يجعلني وغيري ندعو إلى الاهتمام بالفلسفة كعلم للحقيقة، هو الحقيقة أو الحكمة ذاتها، والتي لا يختلف اثنان على أهمية وضرورة البحث عنها كما هي.

 

أشكركم حضرات الأعزاء، وأشكر القائمين على عقد المؤتمر، وأتمنى لكم التوفيق والفلاح، وأسأله تعالى أن يوحد كلمتنا في هذا البلد العزيز، لما فيه خير بلدنا وخير أمتنا كافة، وبالذات، إخواننا المرابطين في فلسطين العزيزة، المتصدين للاحتلال ومخططاته، وأن يعيننا في هذا البلد الكريم على أن نظل وبقيادة جلالة الملك عبد الله، عوناً وسنداً لهم، في مساعيهم ونضالهم من أجل استرداد حقهم.

 

Term of use | Privacy Policy | Disclaimer | Accessibility Help | RSS

eMail: info@tahermasri.com Tel: 00962 65900000

Copyright @ 2015 Taher AlMasri the official web site, All Right Reserved

Image