Image
Image

مواجهة الفكر التكفيري المعاصر

كلمة ألقيت في افتتاح مؤتمر آليات مواجهة الفكر التكفيري المعاصر في المركز الثقافي الملكي بتاريخ 6/4/2015

 

نجتمـــــع اليوم لنبحث موضوعاَ خطيراً وغاية في الأهمية، أصابنا وأصاب المنطقة العربية وللأسف، بمزيد من الألم والعدوان، اجتمعنا لنبحث الفكر التكفيري وآليات مواجهته. هل نواجهه بنفس الأسلوب الذي يواجهنا فيه، بالعنف والقتل، هل نواجهه كما يفعل بالاختطاف؟ أم نواجهه بالاختباء وراء هشاشة وضعف في التفكير والرؤيا؟

 

بالتأكيد لا، سنـــواجهه بالمنطق الذي تربينا عليه في ديننا الحنيف الإسلام، دين الوسطية والاعتدال، دين المحبة والتسامح، دين الرسالة السماوية التي تحرم القتل، الدين الذي نريد أن تختطفه فئات ضالة، متعصبة في تفكيرها وممارساتها. سواءً أكانت دينية أم فئات اثنية أو طائفية أو غيرها، تغني نشازا خارج السرب، وهنا المطلوب تصحيح المفاهيم الخاطئة في الممارسة الدينية، لأنه وللأسف أصبحت تهمة التطرف تلصق بالاسلام دون وجه حق وظلما وبهتانا.

 

وأصبح المسلم في مرمى الشكوك في مختلف انحاء العالم، وهي معاناة ليس له فيها لا ناقة ولا جمل.

 

إن الفكر المتطرف يرهق الوحدة الوطنية، ويصيب الدولة بالوهن. لذا علينا جميعا أن نقف ضده وقفة رجل واحد، لأنه وببساطة غريب عنا ولا يمثلنا.

 

نعم، من الواجب أن نحصن جبهتنا الداخلية، وأن تفعل ذلك كل الدول العربية والإسلامية في محيطنا. ويبدأ ذلك من خلال تعديل مناهجنا الدراسية.

 

وهنا لا بد من ايلاء دور المدرسة والكلية والجامعة في تعزيز ثقافة الاعتدال والتسامح فيما بيننا، وأن نؤكد مرارا وتكراراأن الدين يتعارض مع قتل الابرياء، وأن قتل المسلم للمسلم حرام، وان قتل المسلم لغير المسلم البريء حرام.

 

وهذا لا يعني أن نبقي رقابنا منحنية للاستباحة والإذلال من قبل الاحتلال، فهذا موضوع آخر، وله شأن آخر في النضال، ويجب عدم الخلط، فنحن نتحدث عن التطرف الأعمى الذي لا يميز مابين مقارعة الاحتلال وإحلال سفك دم العربي والمسلم. فالأجدى ان توجه كل الجهود لمقارعة الاحتلال وانهائه.

 

ومكافحة التطرف والفكر التكفيري هي مسوؤلية المواطن والدول ومكوناته وهي مسؤولية مناطة على وجه الخصوص بالمؤسسات التعليمية في الأردن والوطن العربي. وعلى مناهجنا إيلاء الدولة المدنية جل اهتمامها، والتأكيد على دولة سيادة القانون.

 

كما أن الامر يعني بالدرجة الاولى المؤسسات الدينية في الاردن والدول العربية، حيث عليها مسؤوليات كبيرة في نشر الوعي الديني المعتدل، ونبذ التطرف بجميع اشكالة، وهنا يأتي دور المؤسسات الدينية الوطنية والعربية الريادية ودور الائمة والوعاظ الدينيين في المساجد، ودور الافتاء في التنوير السليم حول القضايا الخلافية. ويحب ان تكون هنالك خطة تنفيذية مدروسة واضحة المعالم لمواجهة الفكر التكفيري في الاردن، والوطن العربي.

 

ولا أعتقد أن المؤسسات الثقافية تؤدي دورها المأمول في محاربة التطرف، والفكر الذي يحض على الكراهية.في إطار تصور واضح المعالم تؤديه لمكافحة التطرف. ولا يتم ذلك إلا إذا اعتبرت أن الثقافة نفسها مهددة بهذا الفكر، وسيتراجع دورها الحضاري إذا ما حلت مكانها أفكار العنف والتعصب لانها ستكون الضحية الأولى للتطرف.

 

أما الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني فتقع على كاهلها مسؤوليات كبيرة في مواجهة الافكار المتطرفة، لأنها بالنهاية مستهدفة من فكر التطرف، وإن بقي حراكها البطيء في التعامل مع الفكر التكفيري، فإن هذا الفكر سيلتهمها، ويلغي دورها.

 

ولذلك نعتقــد أن الاحزاب السياسة ومؤسسات المجتمع المدني عليها أن توحد جهودها لتبني آلية عمل، يكون الشباب عمادها، في تدعيم مدنية الدولة وتعزيز فكر التسامح الديني، ونبذ التطرف والفكر التكفيري.

 

وأخص بالذكر هنا دور الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية المعتدلة، لأن هذا الفكر يمثل تهديداً حقيقياً لوجودها.وعليها ان تتبنى تجديد مفهوم الخطاب الديني وأخذ نهج جديد يدين ويحرم القتل وانتشار الفكر المتطرف الغريب علينا وعلى مجتمعاتنا الاسلامية والعربية، ويجب أن يكون لديها برنامج عمل واضح وخطة بهذا الخصوص تعلنها للجميع، لأننا حتى اليوم لم نسمع منهم مواقف حقيقية تسير ضمن النهج الوطني نبذ القتل وإدانة الحركات الدينية المتطرفة.

 

وهنا نؤكد على الدور المحوري للإعلام المقروء والمسموع والمرئي ووسائل الاتصال الاجتماعي، في تعزيز الصورة المشرقة للإسلام، ورفض ربطه بالتطرف والفكر التكفيري، وهو دور تقوم به، لكن يجب أن يتسم بالمهنية الرفيعة في أن يستهدف مختلف فئات الشعب في برامجه وعلى وجه الخصوص الشباب، من خلال تمكين الشباب في قيم الاعتدال من خلال لقاءات صحفية وبرامج حوارية تلفزيونية ومدونات واقامة المؤتمرات والمخيمات التوعوية لهم التي تدعو لنشر الفكر الإسلامي المعتدل الوسطي المتسامح. وأن يتم شرح أسباب انتشار الحركات المتطرفة في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية، والدور المأمول منا في وقف امتداده.

 

كلنا يدرك جيدا دور الدولة ممثلة بمؤسساتها وسلطاتها الثلاثة في التعامل مع قضية كبرى كقضية التطرف والفكر التكفيري.وأن تحفز الشباب نحو القضايا الوطنية، وهذا يقتضي أن تكون الدولة مثالا لنزع الشكوك، في أن تحارب الفساد وتجتثه، وأن تحارب الفقر والبطالة، لأنهما القاعدة الاساسية التي تجعل الشباب يفر للشارع ثم للتطرف، إن الفكر المتطرف يخرج من رحم الأنظمة الاستبدادية، الأمر الذي يحثنا على دعم تعزيز البناء الديمقراطي وفصل السلطات حماية للوطن وسيادة دولة القانون.

 

والمطلوب هنا أن تعزز الشفافية ومفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان وعناصر الحكم الرشيد، وان تدَعمْ هيبة الدولة في تمكين دولة القانون وسيادتها، وأن المواطنين تحت مظلة القانون سواء، ولا أحد فوقه، وتمكين العدالة في توزيع مقدرات الوطن، والحد من الفساد الذي يأكل ميزانية البلد ويأتي على الوطن باكمله.

 

لقد انطلقت رسالة عمان بالسلام والتفاهم والمحبة، وعلينا أن نعتبرها أنموذجا للتعاون والتكاتف لتحقيق دور حضاري لنا بين الامم، والتأكيد على القيم السمحة للإسلام فكراً وممارسة.

 

وعلينا أن نؤكد أن المواطنة والانتماء صنوان لا يفترقان، وهذا يعني إسقاط جميع أشكال التمييز بين المواطنين والقضاء على المحسوبية والواسطة، ويجب تعيين الشخص المناسب في المكان المناسبفهذه.كلها عناصر تجعل المواطنين والشباب على وجه الخصوص يلتفون حول الدولة التي تلبي طمـــوحاتهم وتسحب البساط من تحت أقدام الفئات المتطرفة التي تقتنص فرص أن يكون الشباب بـــلا هدف، مهملين ومهمشين من قبل الدولة، وإسقاط أية محاولات لهذه الفئات الخارجة عن منظومة قيمنا السمحة، التي تسعى لجذب الشباب الى آتون نارهم.

 

آن الاوان لتأسيس تعـــاون عربـي عربي وإسلامي إسلامي حقيقي لمقارعة التطرف الذي يدعو للقتل، لأن الجميع على قناعة أنه لا يجوز ولا يحق لفئة ضالّة أن تختزل حق الاغلبية في الحياة وأن تتمتع بقيم ديننا الحنيف، وأن يكون لها دورً تنويري، ويجب أن يعطي هذا الدين حقه الذي يحاول المتطرفون تشويهه.

 

وهذا يقودنا إلى اهمية تجفيف منابع التمويل لهذه الحركات، وأن يتم عزلها بكل السبل.وليس غنيا عن التعريف، إن معتقدات الأصوليين الذين يلتقون بالنهاية وفق مفهوم واحد هو التطرف العنيف، سواء أكانوا مسلمين، مسيحيين، يهوداً أو غيرهم. وهذه الحركات الأصولية المتطرفة تصبح بالنهاية منتجاً ومصدراً للتطرف العنيف.

 

نحن نعلن بوضوح أنه لا يجب أن تتفرع صراعاتنا لنصبح أعداء بعضنا البعض، وأن نخوض صراعات طائفية إقليمية فيما بيننا عربا ومسلمين، ويجب أن نوجه كل طاقاتنا نحو العدو الحقيقي، الذي يستهدف كياننا ووجودنا. وهو المحتل الإسرائيلي لفلسطين، وعلينا أن نحشد إمكانياتنا نحو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، بما يضمن حق العودة لأهلنا في الأرض المحتلة، وأن تبقى القدس عاصمة فلسطين بلا منازع فهذا ما يساهم في نزع فتيل التطرف.

 

لا يمكن القضاء على فكر التطرف بجميع أشكاله إلا إذا اعترفنا بوجوده وحددنا حجمه وأجمعنا على مواجهته، وأن تكون لدينا رؤية شاملة وواضحة وخطة عمل تستطيع الدولة ومؤسساتها السير عليها والتعاون مع شعوبها في رفض هذا التطرف.

 

ولا ننكر أن هنالك أيد خفية تعمل لتعميق هذه الخلافات الطائفية لتجعلنا نعوم على بحر من الاقتتال الطائفي، مما يسهل لهم تسيير مصالحهم بسهولة ويسرو علينا أن نتسلح بالوعي والمعرفة والقوة لمواجهة واقع مر أدى الى انهيار وتردٍ حال الأمة، وأوصلها الى ما هي عليه.

 

نرجو من الله تعالى أن يكون ما تمر به الأمة العربية والإسلامية غيمة صيف عابرة، لتتعافى وتأخذ دورها من جديد في التركيز على القضية المحورية التي تؤرق المنطقة، القضية الفلسطينية، وحلها بما يضمن الحقوق التاريخية للشعب العربي الفلسطيني، وأن تنشغل أوطاننا في البناء والتنمية بما ينعكس خيرا على مواطنيها.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

Term of use | Privacy Policy | Disclaimer | Accessibility Help | RSS

eMail: info@tahermasri.com Tel: 00962 65900000

Copyright @ 2015 Taher AlMasri the official web site, All Right Reserved

Image