Image
Image

افتتاح ورشة عمل بعنوان إصلاح الحقل الديني

كلمة ألقيت بدعوة من مركز نيسان ورئيسه العين بسام حدادين بتاريخ 30/5/2015 في فندق القدس الدولي

 

لا شك ان عقد مثل هذه الورشة الحوارية في مثل هذا الوقت أمر هام، لما تعانية المنطقة من صراع طائفي وإقليمي في عدد من البلدان العربية.

 

منذ بدء الخليقة، والجدل قائم حول مفهوم الخير والشر، الخطأ والصواب. فإذا كان هناك خير من وجهة نظر شخص أو مجتمع ما، فلابد أن هذا الخير هو غير ذلك من وجهة نظر الجهة المقابلة. لذلك جاءت الأديان لتضع المفاهيم والأسس والمعايير لكي تقود الانسان إلى تقييم وتحديد الخير والصواب وأن تجعل مفاهيم الخير والصواب تطغى على مفاهيم الشر والخطأ.

 

أنتم تسمونه إصلاح الحقل الديني، وأنا أدعوه إصلاح الخطاب الديني المتطرف.لأن الخطاب الديني في الاصل هو خطاب يدعو الى التسامح وثقافة قبول الآخر، خطاب يدعو الى المحبة والتكاتف الاجتماعي، ينبذ العنف بجميع أشكاله.وهذا الخطاب ينطبق على الخطاب الديني الاسلامي والمسيحي، او الخطاب الديني بين مختلف الملل الاسلامية في الوطن العربي. فالإسلام والمسيحية هــما دينان للعالمين. بينما الديانة اليهودية هي لليهود فقط.

 

وإن المسلمين بعامة يرون أن هنالك خللاًأحدثه بعض غلاة التطرف وامتطوا صهوته.

 

فماذا نريد من الخطاب الديني في الأصل؟ وكيف نصلحه؟

 

لا أعتقد أن أحداً منا يختلف على أن الخطاب الديني المعتدل الذي يدعو الى التسامح بين مختلف مكونات المجتمع، والذي أساسه في الأصل عدم الاعتداء على حق الاخر، سواءًأكان مادياًأم معنوياً.

 

وهذاالخطاب هو الذي حض على تجنب الموبقات والرذائل، في ان لا تقتل ولا تزني ولا تسرق ولا تكذب، ولا تعتدي، ولا... ولا... وهي الخطايا التي دعت الى تجنبها جميع الاديان، وأن تلتزم بتعاليمه.

وإن هذا الخطاب الديني إنْأردت أن تتبناه سيكون أمراً شخصياً لك، ولا تستطيع فرضه بالقوة على الاخر، وهو حق لك، لكن في ظل ما يعرف بسيادة دولة القانون وتحت سقفها، على اعتبار أن الدين لله والوطن للجميع.

 

وإنك إنْ امتلكت ناصية هذا الخطاب الديني أو بعضه فليس لك أن تكفر أو تجرم الآخر، لأنه ليس لديك تفويض ألهى بذلك، وأن الله وحده من يعاقب أصحاب الخطايا.

 

ولا يجــب ان نتهاون في العقاب على الأعمال التي تستهدف الاعتداء على الانسان وحياته وممتلكاته، والذي يشكل مظلته التشريعات والقوانين المحلية والدولية التي اتفقت عليها المجتمعات الانسانية على مدى الزمن، وتنفذها بملء إرادتها.

 

وقد مرت أوروبا في عصر الظلام وعاشت ظروفاً شبيهة لتلك التي نعيشها في بعض أقطار الوطن العربي.وكان للكنيسة وقساوستها دور متخلف وقمعي في تلك الفترة، فكلنا يتذكر بيع صكوك الغفران للدخول الى الجنة، وصلب وقتل وحرق من يخالف الكنيسة، ومحاكم التفتيش، وغيرها العديد من الامثلة عن تلك الفترة.

 

إلا أننا وللأسف نعيش بعض ظروفها في منطقتنا العربية ونحن في القرن الحادي والعشرين، والأسباب كثيرة أورد بعضاً منها وأخص بالذكر الصراع الطائفي الدائر فيها:

 

اولاً: الذي اثار تعظيم المشاعر الدينية والالتفاف حولها اليأس والإذلال الذي أصاب الكثيرين في المنطقة العربية جراء الظلم الحاصل في احتلال فلسطين، ومساندة الغرب لهذا الاحتلال بما يناقض مواثيق الامم المتحدة المناهضة للاحتلال والظلم والتعسف، فكان المواطن يرى الأمم المتحدة والعالم الغربي يكيل بمكياليــــن حين الحديث أو اتخاذ قرارات تتعلق بحل القضية الفلسطينية، وان هذا الكيل دائماً لصالح المحتل. وهو الامر الذي قاد عدداً كبيراً من المواطنين السير خلف الحركات المتطرفة بهدف مناهضة الاحتلال.

 

ثانياً: إن المواطن العربي عانى الأمرين من أنظمة الاستبداد في عدد من الدول العربية وتبعيتها للغرب التي تدعم برأيهم الظلم، الامر الذي دفعه للإنطواء تحت هويته الاسلامية لمحاربة هذا الاستبداد والديكتاتوريات القائمة، واستغل هذا الامر الحركات المتطرفة، في ظل غياب وتغييب أحزاب سياسية وطنية فاعلة تستطيع تداول السلطة.

 

ثالثاً: ومما زاد الوضع سوءاً، الوضع في العراق وحل الجيش والدولة، وإحلال قانون بريمر مكانهما الذي وضع دستوراً طائفياً إقليمياً للعراق. حيث تغيرت المعادلة الطائفية والديموغرافيه فيه.وفي ظل تأسيس عشرات الميلشيات الطائفية التي دعمتها إيران وغير إيران، وإلى مرور قيادات عراقية لم تستطع بناء توافق وطني، وأن تدمج مختلف الملل في بوتقه الوطن، مما أدى الى إقصاء وتهميش الطائفة السنية التي اخذ بعضً منها مواقف قريبة من القاعدة ولاحقاًمن داعش، كتعبير عن الظلم الذي أصابهم. إضافة الى استقلال اقليم كردستان.

 

رابعاً: ازداد الوضع تعقيداً بسبب الحرب الاهلية السورية، والتي انتقلت من محاولة تغيير النظام، إلى دخول النصرة وداعش على المشهد السوري.

 

خامساً: قد يختلف المشهد قليلا في ليبيا، فالصراع الديني هنالك سار جنبا إلى جنب مع الصراع على السلطة من قبل العشائر في مختلف المناطق وبخاصة بنغازي والجنوب.

 

سادساً: وفي اليمن أخذ الصراع الشكل الديني إلا أنه في جوهره صراع على السلطة، بدعم إقليمي.

 

سابعاً: شذ عن هذه القاعدة دولة تونس، التي كانت فيها التجربة الدينية أنضج، لكثير من العوامل، واستطاعت قبول المشاركة وتداول السلطة، وكان خطابها الديني أقل تشدداً من دول الشرق.

 

ثامناً: ساهم في تأجيج الصراع الديني في الوطن العربي خلافات سياسية دينية على مستوى الاقليم متمثلة في إيران والسعودية وتركيا من جانب، والتدخلات الدولية من قبل روسيا والولايات المتحدة واوروبا واسرائيل من جهة اخرى.

 

تاسعاً: كان نتيجة الاحتراب والاقتتال الطائفي في المنطقة والتدخلات الاقليمية والدولية أثر مباشر على تفتيت هذه الدول. وكأنني أرى أن هذه التدخلات ما هي الا إعادة تقسيم جديدة للمنطقة في ظل "سايكس بيكو” من نوع آخر.

عاشراً: ان هذا التطرف الراديكالي الديني الطائفي ساهم بشكل او بآخر بالإضرار بصورة الإسلام دولياً.

 

حادي عشر: وقد ساهم ايضا في نفس المستوى بالاضرار بالقضية الفلسطينية، وتراجع الاهتمام بها، والاهم قيام اليمين الاسرائيلي بتنفيذ مخططاته بعزم أكبر في ظل الفوضى السائدة في المنطقة وضعف دولها وشعوبها.

 

وبعد، أيها السيدات والسادة كيف نرى إصلاح الخطاب الديني؟

 

اولاً: دعوة الامم المتحدة إلى المساهمة في أخذ دور ريادي في وقف النزاعات الطائفية ودعم سيادة دولة القانون فيها.

 

ثانياً: حث الدول على المستويين الاقليمي والدولي بوقف دعم الحركات الراديكالية والمتطرفة بمختلف الاشكال، ووقف تدخلها بالشأن الداخلي للدول التي تعاني النزاعات، لا بل يجب أن يكون لديها دور ايجابي في تعزيز الوفاق واستقرار هذه الدول.

 

ثالثاً: العمل بجهود وطنية ودولية على تجفيف منابع تمويل الحركات المتطرفة. ومتابعة مصادرها.وهذا العمل لا يمكن له النجاحإلا إذا اتفقت الدول على إنهاء هذه النزاعات المسلحة.

 

رابعاً: تعزيز دور التربية، والمناهج في المدارس والجامعات على نبذ التطرف، وتعزيز قيم التسامح الإنساني والتشارك الحضاري، ورفض أفكار الإقصاء والتهميش لأي شخص أو مجموعة، لكن في ظل سيادة القانون، والدولة المدنية.

 

خامساً: وقف الحملات الدعائية التي تدعو الى الكراهية من جميع الطوائف والملل.

 

سادساً: التركيز على فئات الشباب في مواجهة الفكر الديني المتطرف والراديكالي والتكفيري.

سابعاً: دعوة المثقفين والعلماء والأئمة والخطباء والنخب السياسية من أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني للانخراط بالدعوة إلى تبني الخطاب المعتدل، وإلى المواجهة السلمية للحركات الراديكالي، وحوارها لدمجها في الدولة المدنية.

وأوجز في النهاية إذا أردنا إزالة جميع اشكال التطرف، إلاضافة الى ما ذكر أعلاه، علينا أن نجفف منابع الظلم والاحتلال والاستبداد والديكتاتورية، التي تجرد المواطن من حقوقه ومن كرامته، وتجعل ظهره للحائط، وفي ظل ضعفه، فإنه سيلجأ للغيبيات، عندها يكون مادة دسمة للمجموعات المتطرفة.

 

واؤكد على أهمية استقلال النظام السياسي العربي من التبعية، ومحاربة الفساد، وتأكيد دولة القانون، والمحافظة على هيبة الدولة ووضع التشريعات التي تلبي طموحات إنسان هذه المنطقة ليعاصر المدنية التي تحقق له العدالة والمساواة والتنمية الشاملة والمستدامة، وتشعره بالأمان له وللأجيال القادمة.

 

وختاماً حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً يضمن إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين والتعويض، الذي يعتبر نزعا لفتيل كل صراعات الشرق الاوسط.

 

والسلام عليكم ورحمة الله،

Term of use | Privacy Policy | Disclaimer | Accessibility Help | RSS

eMail: info@tahermasri.com Tel: 00962 65900000

Copyright @ 2015 Taher AlMasri the official web site, All Right Reserved

Image