سياسي يتذكر الحلقة السادسة عشر
6 ايار 2014
المصري: استثنيت وعبيدات من الأعيان بعد دعوتنا لمقاطعة انتخابات 1997
محمد خير الرواشدة
عمان - يستكمل رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، في حلقة اليوم من سلسلة حلقات "سياسي يتذكر"، عن تفاصيل مواقفه المُعلنة من رفض إجراءات التطبيع بين الأردن وإسرائيل، بعيد توقيع اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، زمن حكومة عبد السلام المجالي.
ويكشف المصري في سرده لذكرياته السياسية في تلك المرحلة، عن تفاصيل اجتماع الراحل الحسين برؤساء الحكومات السابقين في الديوان الملكي، والحديث المتوتر الذي دار بين الراحل الحسين والمصري.
كما يكشف المصري كيف أن الأمير الحسن بادر بعد الاجتماع لترتيب لقاء بين الحسين والمصري لتوضيح المواقف، وترطيب الأجواء، حيث كان لقاء يكشف جانبا في العلاقة الإنسانية بين الراحل الحسين والمصري.
وبين المصري الأسباب التي أدت لمعاقبته بعدم دخول مجلس الأعيان في العام 1997، وذلك بسبب تبنيه وقوى سياسية معارضة الدعوة لمقاطعة انتخابات مجلس النواب الثالث عشر، نتيجة الإصرار الحكومي على إجرائها، بموجب قانون الصوت الواحد، الذي عارضه محدثنا منذ أول تطبيقاته في العام 1993.
وكان المصري قد كشف في حلقة أمس تفاصيل الثوابت التي أقرتها حكومته خلال إحدى جلسات مجلس الوزراء، والتي حددت شروط حضور مؤتمر مدريد للسلام، والطلب من الدول المضيفة دعم هذه الشروط.
وأكد المصري على أن موقفه الرافض لقانون معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، الذي قدمته حكومة المجالي وأقره مجلس النواب الثاني عشر في إحدى جلساته بأغلبية 55 صوتا وحضور 79 نائبا وغياب نائب واحد، كان هو المصري، جاء لمخالفة مواد القانون لتلك الشروط والثوابت التي وضعتها حكومة المصري.
اليوم يبدأ المصري سرد ذكرياته عن اللقاءات الأخيرة التي جمعت المصري بالراحل الحسين في واشنطن، والحديث الذي دار بينهما حول الخلاف في وجهات النظر، بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ممهدا لوصف مشاعره من لحظة وفاة الحسين رحمه الله.
وفيما يلي التفاصيل:
- وصلنا في الحلقة السابقة لفترة حكومة الكباريتي، التي استمرت عاما وخمسة واربعين يوما، حيث دخلت أنت في حالة سياسية، وضعتك في خانة المعارضة السياسية، حتى خارج مجلس النواب؟
-بالنسبة لي، كما قلت في أكثر من مناسبة، أنا لست معارضا، أنا أقول رأيي بصراحة، وللآخرين أن يصنفوا ذلك الرأي، ويحللوا بناء عليه، بالنسبة لي فأنا اقدم رأيي بصراحة وتجرد، ولا يكون في خاطري أن أتميز عن غيري بمنطق "خالف تُعرف"، أو المعارضة من خارج المسؤولية، والعودة لتغيير المواقف إذا ما رجعت لواجهة المسؤولية والمقاعد الأمامية فيها، لأن المصلحة الوطنية العليا تقتضي منا جميعا أن نحمل أمانة المسؤولية في النصيحة والمبادرة في تقديم المشورة، والمخالفة بالرأي، إذا كان هناك أمر مهم أو تقدير منك لوجود خلل غير واضح أو تعصب لموقف رسمي غير صحيح، أو تنقصه الدقة في احتساب جملة التقديرات والتداعيات، التي تترتب على أي قرار أُتخذ بطريقة ارتجالية وغير محسوبة الآثار.
هذا موقفي من أول حكومة شاركت فيها، وكنت وزيرا في حكومة زيد الرفاعي الأولى، حتى صرت رئيسا للحكومة، ثم رئيسا لمجلس النواب، ولم أغير طريقتي في العمل العام والسياسي، ولذلك قد أكون محسوبا بطريقة خاطئة على المعارضة، وقد لا أكون من هؤلاء، الذين يجيدون فن النفاق السياسي، إذا ما حملوا رتبة الموالاة.
فالموالاة هي الحرص على الحكم واستقرار النظام السياسي، واستمرار أداء المؤسسات الوطنية بسوية عالية من الأداء، وعبر تكريس مفاهيم العدالة والمساواة من خلال عملها واشتباكها وخدمتها للمواطن، كما أن تحصين السلطات الدستورية بالاستقلالية وزيادة ثقة المواطن هو أمر جوهري، لا يمكن عزله عن سياق الإصلاح الشامل المنشود والمستمر والمُستدام، وأهدافه الوطنية السامية.
كل ذلك يجب أن نُمسك عليه، ونحافظ على استمرارية تطوره الإيجابي، نحو المستقبل وحماية الاستقرار الداخلي والأمن السلمي من خلاله، وهو ما يُحتم علينا أن نكون جنودا من أجل تحقيق هذه الأجندة الوطنية، حتى لو على حساب تضحية الواحد منا بنفسه وموقعه.
- وهل هذا الكلام بدأ منذ عهد حكومة الكباريتي؟
-قطعا لا؛ فنحن نعيش أزمة النخبة السياسية منذ زمن بعيد، وهي النخبة التي تضرب ببعضها من دون أي رحمة بالوطن، حتى صارت النصيحة عبئا على أصحابها، والإقصاء السياسي هو سيف مسلط على رقاب المسؤولين، إن تفوهوا بكلمة تخالف قناعات بطانة هنا أو هناك. وبالمناسبة، فإن كثيرا من المواقف السياسية ضد أشخاص تُتخذ بناء على أقاويل وثرثرات صالونات سياسية، وليس بناء على دقة في نقل المواقف والتصريحات.
- إذا لماذا بدأ تصنيف موقفك السياسي بالمعارِض، منذ الدورة العادية الثانية لمجلس النواب الثاني عشر، التي قررت فيها عدم الترشح لرئاسة مجلس النواب، وابتعدت فيها عن المشهد، وصولا لمواقفك من معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، والإجراءات التي تبعتها من تطبيع للعلاقات بين الأردن واسرائيل؟
-تحدثنا في موضوع موقفي الشخصي من قانون معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، وهو الموقف النابع من قناعتي، لكن انسحاب ذلك الموقف على علاقاتي مع مراكز القرار، كان أمرا مُستغربا في حينه، خصوصا بأني لم أمارس أي دور تعبوي ضد المعاهدة، ولا ضد من خاضوا تفاصيلها ووضعوها في قانون، ورفعوه لمجلس النواب، وحشدوا لإقراره أغلبية 55 صوتا، من أصل 79 نائبا حضروا الجلسة.
لكن في الفترة التي تشكلت فيها حكومة الكباريتي، بدأت إجراءات التكيف مع قانون معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، وتم إلغاء وتعديل التشريعات المتعلقة بقانون المعاهدة، مثل قانون منع بيع العقار للعدو، وموضوع التجارة والقيود المتعلقة بذلك.
كما بدأ تدفق الإسرائيليين للأردن، وبدأوا يظهرون في الشوارع بشكل علني واستفزازي، وبدأ بحث جماعات يهودية دينية في التنقيب عن ما يدّعون بأنها آثار يهودية، وكان ذلك مستفزا لشعور الناس، الذين بدأت تتشكل عندهم قناعة بأن هذا الوجود الإسرائيلي في الأردن هو استمرار لمسلسل التوسع الإسرائيلي الصهيوني، ليس فقط في فلسطين، بل أن ذلك سيمتد للضفة الشرقية، وما التنقيب عن الآثار اليهودية على أرضنا إلا تمهيد لاكتشافاتهم بأن الأردن هي الأخرى أرض يهودية أيضا، وهو أمر قد نوقش في مستويات شعبية، وتم طرحه كتخوف كبير يهدد أمن المملكة واستقرار نظامها السياسي.
في تلك الفترة أيضا، بدأت تظهر تعبيرات التطبيع ومقاومة التطبيع، وتحركت قوى سياسية ونقابية لتتعامل مع رفض التطبيع ومناهضته، وظهر في قاموسنا السياسي في تلك الأيام مصطلح "الهرولة نحو التطبيع".
ومن هناك ظهر لي رأي واضح وحاسم في بعض الأحيان، أدى إلى زيادة الخلاف بيني وبين الإجراءات الحكومية، كما تزامن ذلك مع حادثة أحمد الدقامسة، وردود الفعل الرسمية على الحادثة، وزيارة الراحل الحسين إلى تل أبيب، لتعزية أهالي الطالبات، كما وبعد ذلك نقل التلفزيون الأردني مراسم جنازة رابين، وهو ما آثار مشاعر الناس بشكل كبير.
وهنا لا بد من الإشارة بكل وضوح وأمانة، الى أن الراحل الحسين قد ضحى في تلك الفترة بجزء من شعبيته، نتيجة ما قام به، لكنه رحمه الله، كان مقتنعا بأن سعيه لتثبيت أركان السلام مع اسرائيل سيخرج الأردن من عنق الزجاجة سياسيا واقتصاديا، وستنحسر موجة العزلة الدولية، التي مورست على الأردن، نتيجة موقفنا الذي لم يتفهمه أحد، في ضرب بغداد وحصار العراق، وبقينا نُحاسب عليه طويلا، وخضعنا لابتزاز دولي حتى نتمكن من تجاوز تداعيات كل ذلك، فالراحل الحسين كان مقتنعا بأن ما يقوم به وإن أضعف من شعبيته مرحليا في الداخل، لكنه كان مقتنعا بأنه يحمي استقرار الأردن، وأمنها إقليميا ودوليا على المدى الطويل.
وهذا ليس تناقضا في موقفي، بين رأيي بإجراءات التطبيع، وبين رأيي في سياسة الراحل الحسين من ذلك الملف، ففي ذلك تعريف للفرق بين القائد، الذي يستشعر الخطر ويستشرف المستقبل، والمستويات الأقل منه في المسؤولية، فنحن نتعامل مع إسرائيل من وحي عداوة تاريخية، تمت تعبئتها عبر سنوات وعقود، ولا استطيع أن أُلغي تماما ملف الصور والذكريات الصعبة والمُرة لي شخصيا، ولأقاربي ولكثير من الشعب الفلسطيني، الذي هُجر قسرا في العام 1948، ومورست بحقه كل سياسات "التطفيش" في الداخل الفلسطيني، بعد حرب العام 1967، وكيف لي أن أنسى أقسى مشاهد التنكيل بشعب مسالم، لم يقرر أن يخوض حربا، ولم يكن له سوى هدف مشروع بدفع الغاصب المحتل عن أرضه.
فالملك يفكر بأسرته، التي كان تعدادها أكثر من 4 ملايين مواطن، يعيشون على أرض مستقرة، ونظامها السياسي راسخ، ولا يريد أن يطرأ أي تغيير على مستويات الأمن الاستراتيجي للأردن والأردنيين، أما أنا فرجل سياسي مستقل، أعبر عن رأيي وأضع حدودا لما أقبل به من سياسات رسمية، قد لا أستطيع التعاطي معها، لا بضميري ولا بموقفي.
في تلك الفترة، حصل توتر كبير بيني وبين حلقات ضيقة في مراكز القرار، وقد حدث نقاش حاد بيني وبين الراحل الحسين، في اجتماع حضره الأمير الحسن، وبحضور الكباريتي وكل رؤساء الحكومات السابقين، وذلك بسبب مواقفي، التي ذكرتها لك من معاهدة السلام، وحتى مناهضة التطبيع، وهي حادثة لم تحصل بين الراحل الحسين وأي رئيس حكومة سابق خدم معه، لكن الحسين فعلا يستطيع استيعاب الآخر، وهو القادر على تخفيف أي جو محتقن باستماعه الجيد لمحاوريه.
- لكن ما هو سبب النقاش الحاد، وإلى أي نتيجة وصلتم في هذا الاجتماع؟
-الاجتماع كان سياسيا، يناقش مستجدات الوضع الراهن والتقديرات المستقبلية وسبل تعزيز الاستقرار، إلى آخر تلك العناوين الداخلية.
وبدأ النقاش وقتها بقضايا مختلفة، وكانت مداخلات بعض رؤساء الحكومات بعيدة عن حدث اللحظة السياسية، وهو السلام والتطبيع، وكان للراحل الحسين كلام في هذا الموضوع، لكن لم يعقب الرؤساء على ما قاله الحسين.
فلما جاء دوري في الحديث، بدأت الحديث، وقلت رأيي بصراحة، وتوترت الأجواء داخل الاجتماع، حتى أن زيد الرفاعي كان يجلس لجانبي، وحاول تهدئتي، وأكملت اندفاعي بالحديث، وكان الجو فعلا مشحونا بالخلاف، وكان واضحا أيضا بأن هناك شخصيات من حلقات مركز القرار تزيد من غضب الراحل الحسين مني، ومن مواقفي، التي أسيء فهمها والتعامل معها.
لكن لم نتوصل لنتيجة، وبقيت ممسكا على رأيي، واستكمل الراحل الحسين الاجتماع، وغادرنا جميعا المكان. طبعا كانت في الاجتماع أيضا تفاصيل شخصية، في العتاب بيني وبين الراحل الحسين، لا أريد أن أخوض فيها هنا، فهي أمور شخصية، تتصل بعلاقتي مع الراحل الحسين التي نشأت من خلال مواقع المسؤولية، التي كنت فيها، وقربتني منه كثيرا رحمه الله.
- وهل استمرت الأجواء محتقنة ومشحونة بينك وبين الراحل الحسين طويلا؟
-لا؛ بعد ذلك الاجتماع طلب مني الأمير حسن أن أذهب معه إلى الراحل الحسين، وأصر الحسن على توضيح وجهات النظر، لكي لا يكون هناك شرخ في علاقات الحسين مع رجاله.
ذهبنا إلى قصر الندوة، واستقبلنا الراحل الحسين، وجلسنا، وعاتبته كثيرا، وقد كان متفهما لعتبي، لكنه كان أيضا عاتبا ومستغربا من بعض مواقفي.
فقلت له يا جلالة الملك، أنتم الزعماء العرب، مارستم كل أساليب التعبئة الشعبية عند العرب، بأن اسرائيل هي العدو الأوحد، وكنتم تحذرونا من مخاطر التوسع الإسرائيلي على حساب الأمة العربية ومقدراتها، وكانت خطبا تتزلزل الأرض عندما تصدح بالقول "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، وربيتم الجميع على عداء إسرائيل، وكنا ندرس منذ تفتح وعينا دروسا في تاريخ الخيانة الإسرائيلية لكل العهود والمواثيق، ثم بكل بساطة، بات مطلوبا منا أن نستدير 180 درجة في علاقتنا مع هذا العدو، ونفتح صفحة السلام على مصراعيها وننسى كل ذلك التاريخ.
وتابعت قولي: إنك يا جلالة الملك قائد عظيم، وتملك فكرا استراتيجيا، وتستطيع استيعاب كل هذا التغير في العلاقة مع الأعداء، ونُقدر ما تقوم به من تضحية بشعبيتك في هذا المقام، وكله لصالح الوطن وأمنه واستقراره، لكن كيف للمواطن، أن يستوعب بـ6 أشهر، أو سنة أن دولة عدوة على مدى التاريخ، صارت صديقة، وعند هذا الواقع فبالضرورة ستكون عندنا ردود فعل عكسية وسلبية، قد تؤثر على الاستقرار الداخلي.
وسألته في ذات المداخلة: هل مظاهر السياح الإسرائيليين في عمان، والمواقع الأثرية هي مظاهر حقيقية؟! وكيف لنا أن نستطيع هضم ذلك وقبوله والتعامل معه بأريحية؟.
رد الراحل الحسين بأنه يريد إقناع العالم برغبة الأردن بالسلام الحقيقي، وأن عقلية القلعة التي تمتلكها إسرائيل يجب تحطيمها، ونريد للعالم أن يقتنعوا بالفرق بيننا وبجديتنا وبما نبذله من جهود حقيقية على هذا الطريق، وبين عدم جدية الإسرائيليين ومماطلتهم ومراوغتهم بالمفاوضات، وإفشال جهود السلام.
- لكنك واصلت خطك المعارِض للسياسات الرسمية، وعوقبت بأنك لم تدخل مجلس الأعيان الذي تشكل بعد الانتخابات، التي جرت في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1997 زمن حكومة المجالي الثانية، ولم تشارك أنت في الانتخابات، لا ترشحا ولا انتخابا، كما قيل بأنك حرضت سياسيا على مقاطعتها إلى جانب الإسلاميين؟
-صحيح؛ فقد وقعت على بيان، إلى جانب 100 شخصية سياسية، دعونا فيه إلى مقاطعة انتخابات مجلس النواب الثالث عشر، التي جرت العام 1997، لأنها جرت بقانون الصوت الواحد، كما كانت لدينا قناعة بأن نوايا تزوير الانتخابات كانت واضحة، وأعتقد أن سبب الغضب الرسمي علينا بعد البيان كان بفعل المقاطعة الشعبية للانتخابات، والتي نجحت إلى حد ما، خاصة في المدن الكبرى.
وبعد أن انتهت الانتخابات، وأعلنت النتائج، وزاد مجلس النواب بعدا عن الثقة الشعبية وتأثيره بالرأي العام، تشكل مجلس أعيان جديد، وكنت أنا وأحمد عبيدات من رؤساء الحكومات السابقين الذين تم استثناؤنا من تشكيلته، وكان أمرا متوقعا ولم نتفاجأ به.
بعد إعلان مرض الراحل الحسين، رحمه الله، ومغادرته إلى "مايو كلينك" للعلاج، انشغلنا نحن في متابعة صحة الحسين، والاطمئنان عليه، دون أن يؤثر ذلك على فتور العلاقة السياسية معه، أو تباين المواقف، وبعد عام من تشكيل المجلس الجديد، أعاد رحمه الله تعيين أحمد عبيدات في نفس المجلس، ودخلت أنا لأول مرة في تشكيلة مجلس الأعيان العام 1998.
- وهل رأيت الراحل الملك الحسين خلال مرضه، أم أنك اكتفيت بمتابعة أخباره من خلال اتصالاتك مع الديوان الملكي هنا في عمان؟
-لا قابلته في واشنطن؛ فبعد الأنباء عن تحسن صحته في "مايو كلينك" ومغادرته للمستشفى، وخلال فترة نقاهته بعد جلسات العلاج الكيميائي، طلبت من التشريفات الملكية ترتيب موعد لي للقاء جلالته، فاقترحوا علي أن ألتقي بالراحل في واشنطن، في اليوم المقرر أن يصل فيه إليها، وأرادوا من ذلك إراحتي من السفر إلى مايو كلينك.
ذهبت إلى مكان إقامته في ضاحية من ضواحي واشنطن، وكان معي ابني نشأت، ولما دخل علينا رحمه الله، ورأيته، ورأيت كم غيّر المرض في شكله وقوته، فقد انهرت تماما، وبدأت ارتجف، وبالكاد تمالكت أعصابي، حتى لا يؤثر ذلك على معنوياته، لكني بدأت أشعر بأن الحسين سيتركنا، ومن تلك اللحظة صار الخوف يلازمني، ولم أجد علاجا لقلقي وتوتري.
فقد ارتبطنا بالراحل الكبير، وبقيت صورته في وجداننا، بأنه قائد عظيم، لا يؤثر فيه أي موقف أو ظرف، وهو بالنسبة لنا نحن من خدمنا بمعيته في مواقع كثيرة، أكثر من معلم، وله سحره الخاص، في تعامله مع الجميع، المقربين منه وحتى خصومه. ولذلك، فان صورة تأثره بالمرض كانت صورة كارثية علينا، نحن من تعودنا على ظهوره بأبهى صورة، وأقوى مواقف وأصلب شدائد، منذ تلك اللحظة، بدأت معنوياتي تضعف، حتى بلغت الانهيار، بخبر وفاته رحمه الله رحمة واسعة.
- وهل اقتصر ذلك اللقاء على سؤالك عن صحته فقط، دون أن تتحدثا بأي أمور أخرى، لها علاقة بالأردن أو لها اتصال بفتور العلاقة بينكما؟
-كعادته رحمه الله، يُنسيك بأنك عاتب عليه، أو غاضب منه، إذا ما استقبلك بتلك الابتسامة الساحرة، وطريقة ترحيبه بضيوفه، كما أنه رحمه الله لا يُشعر أحدا بضعفه أو تأثره بالمرض، ولولا ما كان ظاهرا عليه من آثار المرض، لما عرفت بأنه مريض، من طريقة حديثه معي، فقد خاض في قضايا كثيرة، تتعلق بالشأن المحلي، وأعاد رده علي بموضوع التطبيع مع اسرائيل، ورؤيته الاستراتيجية في ضرورة احراج الإسرائيليين والضغط عليهم من أجل تنفيذ مقررات السلام مع الفلسطينيين، بعد أن يُبرهن للمجتمع الدولي جدية الأطراف الأخرى بتحقيق معادلة السلام الآمن والعادل والشامل، ومراوغة الإسرائيليين.
لم أرد أن أطيل الحوار والجدال معه بذات الموضوع، تقديرا مني لوقته، ولكي لا أتعبه بالحوارات، لكني قلت له بأن الإسرائيليين ليسوا مثله، ولا يفكرون بنفس الطريقة، التي يفكر بها، وقلت له كيف لهم أن يكونوا شركاء في السلام، وما تزال حكومة نتنياهو، وقتها، تتغول على الأرض الفلسطينية، أكثر وتمارس سرطانها الاستيطاني وتصادر الأراضي في الضفة الغربية، إلى جانب الاعتداءات المستمرة على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وتوقفنا بالحديث عند هذا الحد.
ثم انتقلنا في الحديث الى صحته وكيف هي مراحل العلاج، وعن معنوياته التي كانت مرتفعة جدا، وتمنيت عودته بسرعة إلى الأردن، بعد الاطمئنان على صحته، لكنه قال لي أمرا أحبطني من جديد، بعد أن كاد الحديث معه ينسينا مرضه، ومدى تأثره به صحيا، فقال لي انه وقبل يوم من لقائنا هنا، ذهب مع الملكة نور إلى واشنطن ليشارك في مسيرة ضخمة لصالح مرضى السرطان، لكنه لم يتمكن من الوصول، فقد تعب مجددا وهو في الطريق، فطلب أن يعود لمنزله، وأن تُكمل الملكة نور طريقها لتشارك بالمسيرة نيابة عنه، ليدخل رحمه الله في جولة جديدة من العلاج، فقد كان واضحا عليه بأن مرضه يتقدم وأن الشفاء يبتعد.