Image
Image

الحلقة السادسة

المصري: اغتيال القواسمي كان يهدف لإعاقة الانفتاح بين عمان والمنظمة

الجمعة 25 نيسان / أبريل 2014. 12:08 صباحاً

  • الراحل ياسر عرفات خلال استقباله في عمان من قبل طاهر المصري
  • الراحل الملك الحسين بن طلال مع نشأت ونادين نجلي طاهر المصري في إحدى المناسبات

 

محمد خير الرواشدة

عمان يستكمل رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري نشر سلسلة ذكرياته السياسية عن المواقع التي شغلها على مدى 45 عاما من العمل السياسي المتواصل.
ويسرد المصري في حلقة اليوم من سلسلة "سياسي يتذكر" كيف تعامل مع أول مهمة دبلوماسية له كسفير في العاصمة الإسبانية مدريد.


ويشير إلى الخبرة المعرفية التي اكتسبها خلال فترة تواجده في مدريد لمدة أربع سنوات، وكيف كان شاهدا على وفاة الرئيس الإسباني الجنرال فرانثيسكو فرانكو، وعودة إسبانيا للملكية عبر تنصيب الملك خوان كارلوس.


ويحاول المصري شرح الطريقة التي كرس فيها الملك خوان كارلوس مقاليد حكمه عبر الانفتاح أكثر على الحريات ومأسسة عمل المؤسسات الدستورية، وهو ما أكسبه "سلطة معنوية وليس سلطة نفوذ".


وكان المصري روى في حلقة أمس تفاصيل حول ترشحه في الانتخابات النيابية التكميلية لمقعد نابلس الشاغر، وكيف سمع عبر المذياع خبر نجاحه في الانتخابات، وهو في طريق عودته من نابلس، وكيف أن الحياة النيابية أدخلته حكومة زيد الرفاعي وزيرا للدولة لشؤون الأرض المحتلة.


كما كشف تفاصيل حضور الأردن لمؤتمر قمة الرباط العام 1974 وجوهر التباين بين الموقف الأردني والموقف العربي من الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، مُعلناً موقفه من الأمر، وأسباب خروجه من حكومة الرفاعي.


كما تحدث عن تفاصيل الموقف الرسمي من حرب العام 1973، وكيف أن مجلس الوزراء اشتبك في جدال "طويل وحاد" حول الموقف الأردني من الحرب، وهو النقاش الذي أسفر عن تقديم وزيرين من حكومة الرفاعي استقالتيهما.

 


وفي حلقة اليوم يواصل المصري حديثه عن الخبرة الدبلوماسية التي اكتسبها بمحطته في باريس سفيرا للمملكة، وكيف أن هذه الفرصة قربته كثيرا من الراحل الحسين.


كما يكشف المصري عن تفاصيل عودته لمجلس النواب "المُعطل" إبان اعتماده سفيرا في لندن لأربعة أشهر، وكيف دخل حكومة أحمد عبيدات وزيرا للخارجية خلال تلك الأيام. وفيما يلي التفاصيل:

 

  • بداية الثمانينات، وفي فترة ولاية حكومة أحمد عبيدات، التي دخلتها، شهدت تطورا مهما على صعيد العلاقات بين الأردن وبين منظمة التحرير الفلسطينية؟


- صحيح؛ فبعد أحداث بيروت (1982)، وخروج المنظمة الى تونس، أراد الملك تقوية الموقف الأردني، المطالب بانعقاد المؤتمر الدولي، لقناعته بأهمية المؤتمر على طريق الحل السياسي للقضية الفلسطينية.


تزامن ذلك مع التطور المهم في العلاقات الأردنية المصرية، كان الحسين يقوم بزيارة القاهرة، ويلتقي حسني مبارك بشكل شبه شهري.


وبدأت الحواجز بين الأردن ومصر تتلاشى، شيئا فشيئا، وبقيت في تطور مستمر، حتى أننا، وقبل الاعتراف الرسمي بعودة العلاقات الأردنية المصرية، كنا نظن بأن العلاقات قائمة ولا داعي للإعلان عن مثل هذه الخطوة.


ضمن هذا المساق، فكر الراحل الحسين بمبادرة من قبله؛ وكان هدف الحسين مُعلنا للجميع، فهو يريد أن لا تبقى العلاقات العربية متوترة، وغير متوافقة على أهمية وأولوية تحريك القضية الفلسطينية، خصوصا بعد احتلال بيروت وحصارها.


وكانت رؤية الحسين واضحة بأن الأفضل هو اتفاق الطرفين الأساسيين، وهما الأردن والمنظمة، للوصول إلى أسس لاتفاق عام، يمكن لهما بعده أن يحصلا على موافقة ودعم ومباركة دول عربية لهذا الاتفاق.


فاتفاق الطرفين الأساسيين هو نواة التوافق العربي، على أطر الحل وخطواته، فإن توافق الأردن والمنظمة فقد يكون من السهل كسب تأييد العرب حول هذه الخطوة.

 

 

فالخطوة الأولى، من وجهة نظر الراحل الحسين، كانت أن يتفق الطرفان الأردني والفلسطيني على أسس الحل والقبول بقرار 242، وهو ما يؤمن دعما عربيا وزخما للحراك السياسي لدعم القضية، فالهدف كان تقوية الجبهة الفلسطينية وتأمين الدعم المطلوب لها.


الملك الحسين انفتح على المنظمة، وعلى أبو عمار، وصار يعتمد في تحركاته الاتصال المباشر، وكل ذلك بهدف كسب التأييد الفلسطيني والعربي والعالمي لعقد المؤتمر الدولي لحل القضية الفلسطينية.


في تلك الفترة، من العام 1984، وبعد تداعيات خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، بجراح عميقة، كان عرفات يبحث عن مكان لعقد مؤتمر المجلس الوطني الفلسطيني السابع عشر، ويريد أبو عمار من ذلك الإبقاء على شرعية المنظمة، ولكي لا تضيع المواعيد الدستورية، التي حددها الميثاق الوطني الفلسطيني.


وطبعا، في تلك الفترة كان صعبا على عرفات أن يجد أي دولة عربية تدعم عقد المؤتمر بما في ذلك سورية والجزائر واليمن الجنوبي والسودان وليبيا، وهي الدول التي كانت تسمى بدول جبهة الصمود والتصدي، وكانت تمثل معسكر المقاومة في تلك المرحلة.


من حكمة وذكاء الحسين، رحمه الله، بأنه التقط اللحظة، وبعد التشاور مع حكومته اقترح استضافة المؤتمر، على أن تحدد ترتيبات عقده لاحقا.


في تلك الأيام، كان الصراع على أشده داخل أجنحة المنظمة السياسية، وكان التقسيم ضمن معسكرين، المعتدلين من جهة مقابل مواقف المتشددين.


في تلك الأثناء أعلن الراحل الحسين استعداد الأردن لانعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني السابعة عشرة في عمان، وبذلك يكون الملك فد مد يده لفتح صفحة جديدة في العلاقات الأردنية الفلسطينية.


المؤتمر كان يشكل أهمية للمنظمة، لأن فيه استحقاق اجراء الانتخابات الداخلية لقيادات المنظمة، فقد كان الصراع داخل المنظمة يؤجج أجواء تلك الانتخابات الداخلية، لأن القيادات لم تكن متناغمة ولا منسجمة في مواقفها، طبعا كان عرفات يريد أن يقدم مبادرة للحسين، ترد له موقفه الداعم لعقد مؤتمر المنظمة في عمان، وكان يريد فتح صفحة جديدة بأن يختار لها شخصيات في قيادة المنظمة قريبة من الأردن، لكن داخل المنظمة واجه عرفات اتجاها آخر يتناقض مع رغبته وموقفه من الأردن.


في تلك الأيام، وكإشارة واضحة على حجم الصراع، تم اغتيال فهد القواسمي في عمان، وهو من الفريق السياسي الراغب في الانفتاح بالعلاقة بين المنظمة وعمان.


*هل كنتم كحكومة بصورة كل هذه التفاصيل؟


- كثير من هذه النشاطات كان يتولاها القصر، لم نتدخل بها كحكومة، ولم يكن رئيس الحكومة أحمد عبيدات منغمسا في هذه التحركات، ولكن كان مطلعاً عليها وتتم بمعرفته. 
وأذكر جيدا كيف أن الموقف السوري الرافض لإنعقاد مؤتمر المنظمة واحتمال لجوئها إلى استعمال القوة، احتاطت الحكومة له بأن نشرت مضادات للطيران في محيط المدينة الرياضية، مكان انعقاد المؤتمر، تحسبا لأي تهور سوري.


طبعا، عقد المؤتمر، ولم يحدث أن حصلت فيه أي ملاسنات بين أصحاب المواقف المضادة داخل المنظمة.


*وهل كانت تلك الفترة هي نفسها التي شهدت اتفاق عمان، أي هل حصل الاتفاق في نفس الفترة؟


- خلال انعقاد المؤتمر، جرت محاولات جدية لعقد اجتماعات اردنية فلسطينية، وإعادة ترسيم حدود العلاقة الثنائية الموضوعية.


بعد ثلاثة أشهر من عقد المؤتمر السابع عشر للمجلس الوطني الفلسطيني في عمان، كان الاعلان رسميا عن الاتفاق الأردني الفلسطيني.


وقد كانت وجهة نظر الملك الحسين بأن الطرفين الأساسيين في القضية الفلسطينية، هما الأردن والمنظمة، وأن الاتفاق إذا نجح فسيكون الأردن "قد اصطاد عصفورين بحجر واحد".


الأول، التمهيد للقبول الفلسطيني بقرار 242، والذي كانت المنظمة ترفضه، بينما كانت الولايات المتحدة ودول كثيرة تصر على ضرورة قبول القرار، الذي سيؤدي إلى اعتراف المنظمة بإسرائيل، هذه الخطوة كانت باعتقاد الأردن، عربون النوايا الحسنة من قبل المنظمة تجاه الحل السلمي، وهو ما تريده أميركا وأوروبا، وهذه الخطوة تعني لنا اقتراب اوروبا والولايات المتحدة من الموقف الاردني، حيال التسوية، بالتالي دخول المنظمة في العملية السلمية، أما العصفور الثاني بالنسبة للأردن، فهو دعم دور المنظمة عربيا لتقرر باسم الشعب الفلسطيني.


في الانتخابات الداخلية، التي جرت في اللجنة المركزية للمنظمة، وانتخب فيها فهد القواسمي، الذي اغتيل، وهو في موقعه، أصبحت المحادثات بين عمان والمنظمة متقدمة جدا، فيما يتعلق بالاعتراف الفلسطيني بقرار 242، وهو ما ساعد بانفتاح المنظمة على الولايات المتحدة، التي كانت في طريقها للتربع على عرش صناعة القرار.


في تلك المرحلة، ووجه عرفات بمعارضة شديدة من حركة فتح، ومن قبل فصائل في المنظمة بسبب تقاربه مع الأردن.


وكانت المحاورات والمحاولات الأردنية في كسب المنظمة إلى جانبه شاقة جدا، وأخذت وقتا طويلا، وكان عرفات واضحا في أنه يريد الاقتراب من الأردن لأهميتها بالنسبة له.


عقد الاتفاق الأردني الفلسطيني في 5 شباط (فيراير) 1985، وكان رئيس الديوان وقتها مروان القاسم، ووزير البلاط عدنان ابوعودة، والقائد العام للقوات المسلحة الشريف زيد بن شاكر، كان هؤلاء المستشارون الرئيسيون للملك الحسين.


عبيدات، وهو رئيس الحكومة، كان يحبذ أن لا نسير مع عرفات بخطوات، أو بتسارع يؤدي إلى عداوات مع جهات قوية؛ فالاتفاق رفضته دول كثيرة، مثل سورية والجزائر وغيرها، والاتحاد السوفييتي وفصائل منظمة التحرير. 


وكان قرار الملك إعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر، في تشرين الأول "اكتوبر" 1984 مثار اعتراض من قبل عبيدات، إذ كان يحبذ ان لا تنفرد الأردن دون الدول العربية بهذا القرار، وكان يفضل أن يؤكد الاردن على إنسجامه وتقيده بقرارات الأمتين العربية والإسلامية، لكن الحسين كان يعتقد بأن الوقت مناسب، وأن مصر عوقبت بما يكفي، وقد بدأ صدى ذلك القرار يخلخل مواقف الدول الإسلامية، قبل العربية، أمام طلب عودة مصر إلى جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

 

عارض عبيدات هذا القرار أيضا،ً وبرأيه فإن القرار إن كان يأتي لنا بالعلاقة الطيبة مع مصر، فإنه سيكسبنا عداوات دول وجهات اخرى. أنا كنت مع القرار، وسافرت يومها للأمم المتحدة لحضور الدورة العادية، وهناك هنأني وزير الخارجية الأميركي جورج شولتز على القرار، الذي وصفه بالجريء، وقد علم هو قبلي بموعد قرار الحسين بإعادة العلاقات مع مصر.


فالاتفاق الأردني الفلسطيني، ومن قبله عودة العلاقات الأردنية المصرية بعد قطيعة عربية، سببها توقيع مصر معاهدة كامب ديفيد، جعلت موقف ابو ثامر واضحا، وهو بأنه لم يكن مرحبا أو معجبا بالقرارين، وبدأ يظهر عليه الاختلاف مع القصر.


زاد ما سبق بأن الطريق بين الرئيس عبيدات ورجال القصر كانت سالكة بصعوبة، وظهر هذا الوضع إلى العلن في احوال كثيرة، وأقصد برجال القصر، من كانوا يمثلون الطرف المقابل لعبيدات، وهم رئيس الديوان مروان القاسم ووزير البلاط عدنان ابو عودة، والقائد العام زيد بن شاكر، وعلي غندور ومحمد كمال.


هنا يجب أن أُذكر بقول بلغني من مصادر مطلعة وقتها، فقد كان الراحل الحسين يريد أن ينتقل بعبيدات من إدارة المخابرات إلى رئاسة الحكومة مباشرة، ولكن كما قيل لي وقتها، إن الحسين استمع لنصيحة مقربين منه، بأن يأتي عبيدات وزيرا، قبل أن يتسلم رئاسة الحكومة، ففي ممارسته للأعمال الإدارية للوزارة ما يجعل تجربة عبيدات في رئاسة الحكومة أكثر قوة.


فدخل عبيدات حكومة مضر بدران الثانية، وزيرا للداخلية مدة عامين، ثم جاء رئيسا للحكومة، وعندما تم تكليفه بتشكيل الحكومة تقرر تعيين القاسم رئيسا للديوان، وابو عودة وزيرا للبلاط، وفي نفس الوقت كان زيد بن شاكر قائدا عاما، وقد كانت بوادر عدم الانسجام بينهم واضحة للجميع.


لم يكن الراحل الحسين مرتاحاً لهذا التوتر بينهم، وابدى انزعاجه من الأمر، وكان لرجال القصر تأثير على الحسين في تلك الأيام، وكانت المناكفات ظاهرة للعيان، خاصة ما يتعلق منها بالمعاملات المتعلقة بالقوات المسلحة.


ثم جاءت استقالة ليلى شرف، وتغيير مدير عام مؤسسة الإذاعة والتلفزيون محمد كمال، وهو الموقع والشخص الذي كان يحظى بنفوذ واسع، كمثال على تلك العلاقة المتوترة بين مراكز القرار.


*لكن ومع موقف رئيس الحكومة عبيدات من اتفاق عمان بين الطرفين الأردني والفلسطيني، بقي الموقف الرسمي المُعلن هو المضي فيه ولم يؤثر موقف عبيدات على الأمر؟


- يجب أن نتذكر جيدا، بأن الفترة بين تاريخ إقرار اتفاق عمان وخروج عبيدات من الحكومة كانت قصيرة، وهي الفترة الواقعة ما بين 5 شباط (فبراير) وحتى 4 نيسان (إبريل) من العام 1985، ولم يتسن لرئيس الحكومة عبيدات أن يعبر عن موقفه المتحفظ؛ سواء من اتفاق عمان مع المنظمة، أو من قرار عودة العلاقات مع مصر. فصحيح أن موقف عبيدات لم ينسجم مع الملك، لكنه لم يعطل أيا من قرارات الراحل الحسين.


*وهل انسحب موقف عبيدات من القرارين على الحكومة التي جاءت بعده، حكومة زيد الرفاعي؟


- لم يعترض زيد الرفاعي، وقد بقيت معه وزيرا للخارجية، على السياسات العامة في حينه، وأخذ منحى تقديم المنظمة لأوروبا والغرب، على أساس من اعتراف المنظمة بقرار 242، وصار الأردن يقدم الاعتراف بالقرار على أساس الاتفاق الثنائي الأردني الفلسطيني.


لكن ذلك لم يمنع من ظهور الخلافات داخل المنظمة، حيال الاتفاق، وهي خلافات كانت ظاهرة لا تحتاج إلى تدقيق في النظر، وهو ما سبب لغطا كبيرا وقتها، وهو ما سآتي على شرحه لاحقا.


نتيجة لذلك، اضطر الرفاعي للتخفيف من اندفاعه تجاه المنظمة، صحيح ذهبنا مع المنظمة كوفود مشتركة وزرنا عدة دول من المغرب العربي إلى دول الخليج العربي إلى أوروبا فرنسا وايطاليا وبريطانيا، وبقينا نتبنى نفس النهج في دعم وتقديم المنظمة، لكن كل جهود الرفاعي اصطدمت ببقاء التوتر والشكوك بالآخر، وظل جو العلاقة الثنائية مشبعا بالشك من كل طرف.


*إذا، بقيت وزيراً للخارجية للفترة الممتدة ما بين 1984 (حكومة عبيدات) وحتى رحيل حكومة الرفاعي العام 1989، وأدرت ملف تطورات العلاقة مع منظمة التحرير؟


- كان هذا ملفاً أساسيا،ً ويتولاه الملك مباشرة، صحيح أن الملك الحسين هو الرقم الصعب في السياسية الخارجية، وهو صاحب القرار في هذه الشؤون، لكن وزير الخارجية، وكانت له كلمته ودوره، هو ذراع تنفيذي مهم، وكان يبدي وجهة النظر والمحاولة في الإقناع.


وأسجل هنا لزيد الرفاعي صبره عليّ، وتحمله لحماسي واندفاعي. فقد مرت علينا أحداث وظروف سياسية ومالية جعلتني أبدي الرأي في مجلس الوزراء وفي وزارتي؛ وكانت سببا في خلافات في الرأي.


بقيت في وزارة الرفاعي، واستقلت منها، ولكن بشكل تعديل حكومي، شملني وسامي جودة وزيد حمزة، بينما استقالت حكومة الرفاعي في 4/4/1989.

 

 


*قبل أن نبتعد عن أجواء استقالة حكومة عبيدات، هل كان رأيه باتفاق عمان صائبا؟
- في نهاية أيام حكومة عبيدات، وبداية حكومة الرفاعي، بدأ اتفاق عمان يرسم لنا خطاً جديداً، من العداوات الإقليمية والدولية.


فالاتحاد السوفياتي شعر بأن الملك الحسين، وهو القريب من الولايات المتحدة، يريد أن يسحب الورقة الفلسطينية من السوفيات، ويحيد دورهم، مقابل تعظيم دور الأميركيين، في ذات الشأن، ومن المعروف بأن جبهة الصمود والتصدي كانت هي الحليف العربي للاتحاد السوفياتي.


إلى جانب ذلك؛ وكما قلت لك، فإن الخلافات داخل منظمة التحرير الفلسطينية، وتنامي وبروز تيار أبو اللطف (فاروق القدومي) وابو إياد، وتنكرت قيادات من داخل المنظمة، وحركة فتح لاتفاق عمان، وعانى ابو عمار من هذه المعارضات والمناكفات داخل المنظمة، وطلب من الحسين إدخال بعض التعديلات على الاتفاق، خصوصاً تلك المتعلقة بالاعتراف بقرار 242، وجرى التعديل حسب ما طلب عرفات.


ولكن للأسف، لم يهدأ الأمر، حتى بعد قبولنا بتعديلات ابو عمار، وظل الاتحاد السوفياتي يغذي الخلافات داخل المنظمة.


وحتى مع كل هذا التحدي، حاولنا كوفد أردني فلسطيني مشترك، أن نزور الدول، ونبين فلسفة الاتفاق وأهدافه، ومدى ما يقدمه من دعم لفلسطين والقضية، وزرنا دولا كثيرة، لكن دول الخليج العربي وقتها لم تبد أي حماس تجاه الخطوة.


في تلك الأيام، طلبت زيارة موسكو، ولكن وزير خارجيتها اندريه جروميكو، اعتذر عن مقابلة الوفد المشترك، وكان اعتذر صراحة واتهمنا بالعمل لصالح الأميركيين وضد الثورة الفلسطينية.


في العام 1985، كانت الحرب العراقية الإيرانية في أوجها، وكانت هناك لجنة سباعية سياسية من جامعة الدول العربية، تنشط دبلوماسيا وسياسيا لدعم العراق دوليا، كان الأردن عضوا فيها، وكنا نقوم بزيارات لدول القرار في العالم، طالبين الدعم الدولي للعراق في الحرب.


في يوم من تلك الايام، اتصل بي وزير خارجية العراق طارق عزيز، وطلب أن أذهب معهم في الوفد إلى الاتحاد السوفياتي، فرحبت بالفكرة، وكان لي هدف، لم أعلنه، وهو أن أسعى لمقابلة جروميكو، لمحاولة شرح اتفاق عمان وأبعاده السياسية.

 


أعلمت الراحل الحسين بالأمر، وذهبت مع الوفد واستقبلني في المطار سفيرنا في موسكو ذلك الوقت فالح الطويل، وحال وصولي، طلبت من الطويل أن يطلب لي موعدا مع جروميكو، واعتذر مرة أخرى، وردوا "يمكن أن يقابلني نائب وزير الخارجية"، فاعتذرت وأصررت على مقابلة الوزير نفسه، وتركت الطويل، يبلغ وزارة الخارجية الروسية بأني وزير خارجية المملكة الأردنية الهاشمية، وانني سأظل مقيما في موسكو حتى التقي جروميكو، لأن الأمر جاد ومهم.


طبعا، رتبوا لي اللقاء، وكان جروميكو في غاية العبوس والكشرة، وهو ما عرف عنه أصلا، لكنه كان معي أكثر من ذلك بكثير.


وكان لقائي به متوترا جدا، وشرحت له أبعاد اتفاق عمان السياسية، وأهميته بالنسبة لدعم القضية الفلسطينية، وأن الهدف من الاتفاق ليس معاداة الاتحاد السوفياتي، والاقتراب من الولايات المتحدة.


كما أن اتفاق عمان، بالنسبة للأردن، هو ورقة تعزز جهود الدعوة للمؤتمر الدولي لحل قضية فلسطين، وأن الاتفاق قد يسمح بتهيئة الإجماع العربي وتوفير مظلة داعمة للمؤتمر.


لم يظهر جروميكو أي ردة فعل تجاه الأمر، لكن تركته وأنا مقتنع بأن كلامي تركه يفكر بإعادة النظر في اتفاق عمان، وبضرورة أن يغير الاتحاد السوفياتي موقفه.


واعتقد بأن قناعتي تلك تشكلت بعد موقفين؛ الأول بأنه وفي نهاية اللقاء، ومع اقتراب لحظة خروجي من مكتبه، أهداني جروميكو تحفة فنية، كانت عبارة عن حصان صغير منحوت، فقبلت هديته، أما الموقف الثاني، فقد طلبت منه طلبا جريئا وغريبا، فقد طلبت منه تأخير موعد طائرتي، التي ستقلع من موسكو إلى لندن لمدة ساعة، وذلك لأتمكن من الالتحاق بالملك الحسين مباشرة، فاستغرب جروميكو بدهشة، فقلت له سبب طلبي وتأخري عن موعد الطائرة هو حرصي على لقائه، وشرح وجهة نظر الأردن، من اتفاق عمان مع منظمة التحرير، فما كان منه إلا أن وافق على طلبي، وانطلقت نحو مطار موسكو في موكب حزبي بسرعة مرعبة.

Term of use | Privacy Policy | Disclaimer | Accessibility Help | RSS

eMail: info@tahermasri.com Tel: 00962 65900000

Copyright @ 2015 Taher AlMasri the official web site, All Right Reserved

Image